وتضاعف حزنهم لفقد مثله ، لما كان عليه من حسن الطريقة ، وإيثار العدل والنصفة والاحسان إلى أهل الدين والفقه والقرآن العلم ، وحب الخير ، وحميد السياسة ، وكان قد أثر الآثارات الحسنة في البلاد من المدارس والرباطات بالعراق وبلاد العجم ، بحيث كان رزقه يجري على اثني عشر ألف انسان من فقيه إلى غيره ، وحزن السلطان ملك شاه عليه ، وأسف لفقده ، وأسرع السير إلى أن وصل إلى بغداد في أيام قلائل من شوال من السنة ، وأقام مديدة ، وخرج إلى المتصيد ، وعاد منه وقد وجد فتورا في جسمه ، واشتد به المرض الحاد ، فتوفي رحمهالله في ليلة الأربعاء السادس من شوال من السنة ، وكان بين وفاته ، ومقتل خواجه بزرك ثلاثة وثلاثون يوما ، وأقام مقامه في المملكة ولده السلطان بركيارق ، وانتصب في منصبه ، وأخذت له البيعة ، ودعي على المنابر باسمه ، واستقام أمره وانتظمت الحال على مراده.
وكان السلطان تاج الدولة تتش قد توجه من دمشق إلى بغداد ، للقاء أخيه السلطان ملك شاه ، والخدمة له ، والتقرب إليه ، وورد الخبر عليه بوفاته ، فانكفأ راجعا ، ونزل على الرحبة وضايقها ، وراسل المقيم بها يلتمس تسليمها إليه فلم يتم له فيها أمر ولا مراد ، فرحل عنها إلى دمشق ، وجمع وحشد وعاد في العسكر إلى الرحبة (١) ، وقد كان كاتب قسيم الدولة صاحب حلب ، ومؤيد الدولة يغي سغان (٢) صاحب أنطاكية يستدعي منهما المساعدة ، ويبعثهما على المؤازرة والمرافدة ، فسارا نحوه ، واجتمعا معه ، فقوي أمره بهما ، واستظهر بعسكرهما ، ونزل على الرحبة وضايقها إلى أن ملكها بالأمان ، وأحسن إلى أهلها وأجمل السيرة فيها ، وكان قد نذر على نفسه أنه متى ملكها بالأمان والقهر شهر فيها
__________________
(١) كذا وفي هذه الرواية اختصار مخل ، انظر تفصيل خبر ما حدث في كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٢١ ـ ٢٢٦ ، وكتابي تاريخ العرب والاسلام.
ط. بيروت : ١٩٨٢ ص : ٣٣٢ ـ ٣٣٥.
(٢) يرسم أحيانا «ياغي سيان».