وقطعت يد أخيه الآخر ، ووصل بعد الفل إلى دمشق ، فسرت نفوس الناس بمصابه وتحكم السيوف في أتباعه وأصحابه ، وأملوا مع هذه الحادثة سرعة هلاكه وذهابه.
وفي هذه السنة توفي أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم بن سليمان بن أبي الحديد السلمي ، رحمهالله.
سنة سبعين وأربعمائة
فيها وردت الأخبار بوصول السلطان تاج الدولة أبي سعيد تتش بن السلطان العادل ألب أرسلان أخي السلطان ملك شاه أبي الفتح ، إلى الشام ، واجتماع العرب من بني كلاب إليه ، ووصول شرف الدولة
__________________
العادل ـ وبه كان يخاطب ويخطب له ـ قد حلفت لنا وحلفنا لك ، وتوثقت منا ، وأنا والله أصدقك وأنصحك ، قال : قد عرفت أنه لم يبق في البلد عشر العشر من الجوع والفاقة والفقر والضعف ، ولم يبق لنا قوة ومتى غلقت أبواب هذا البلد من عدوه قصده ، ورمت منا منعه أو حفظه فإن كنت مقيما بيننا فنحن بين يديك مجتهدون ولك ناصحون ، وإن بعدت عنا فلا طاقة لنا بالقتال مع الفقر والضعف ، فلا تجعل للعدو سببا لهلاكنا ومؤاخذتنا ، فقال : صدقت ونصحت ، وما أبعد عنكم ولا اخليكم من عسكر يكون عندكم ، ثم أقام بدمشق ، وجاء التركمان من الروم ، ولم يستخدم غيرهم ، وعصى عليه أهل الشام وأعادوا خطبة صاحب مصر في جميع الشام ، وقام بذلك المصامدة والسودان ، وكان أتسز وأصحابه قد تركوا أموالهم وأولادهم بالقدس فوثب القاضي والشهود ، ومن بالقدس على أموالهم ونسائهم ، فنهبوها ، وقسموا التركيات بينهم واستعبدوا الأحرار من الأولاد واسترقوهم ، فخرج من دمشق فيمن ضوى إليه من التركمان ، ووصل إلى قريب القدس ، وراسلهم وبذل لهم الأمان ، فأجابوه بالقبيح وتوعدوه بالقتل ، فجاء بنفسه إلى تحت السور ، وخاطبهم فسبوه ، وقاتلهم يوما وليلة ، وكان ماله وحرمه في برج داود ، ورام السودان والمصامدة الوصول إليهم فلم يقدروا ، وكان في البرج رتق إلى ظاهر البلد ، فخرج أهله منه إليه ، ودلوه عليه ، فدخل منه ومعه جماعة من العسكر ، وخرجوا من المحراب ، وفتحوا الباب ودخل العسكر ، فقتلوا ثلاثة آلاف انسان ، واحتمى قوم بالصخرة والجامع ، فقرر عليهم الأموال حيث لم يقتلهم لأجل المكان ، وأخذ من الأموال شيئا لا يبلغه الحصر ، بحيث بيعت الفضة بدمشق كل خمسين درهما بدينار ، مما كان يساوي ثلاثة عشر درهما بدينار ، وقتل القاضي والشهود صبرا بين يديه ، وقرر أموال البلد ، وسار إلى الرملة فلم ير فيها من أهلها أحد ، فجاء إلى غزة وقتل كل من فيها فلم يدع بها عينا تطرف ، وجاء إلى العريش فأقام فيه ، وبعث سرية فنهبت الريف وعادت ، ثم مضى إلى يافا فحصرها ، وكان بها رزين الدولة فهرب هو ومن كان فيها إلى صور فهدم أتسز سورها ، وجاء كتابه إلى بغداد بأنه على نية العود إلى مصر وأنه يجمع العساكر ، ثم عاد إلى دمشق».