أتسز (١) ، فاستعد وتأهب لدفع قصده واعتدائه ، وجد في الايقاع به (٢) ، وحصلت العرب وأكثر العساكر من ورائه ، وصدقوا الحملة
__________________
وعبر أمير الجيوش عشية يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ست وستين وأربعمائة ، ودخل على المستنصر ، فاستدعاه وقربه ، ودعا له وشكر سعيه ، وبالغ في كرامته ، وقرر أن يكون السفير بينه وبين أمير الجيوش الوزير ابن المغربي كاتب الانشاء ، فصار ابن المغربي إليه ، وعرفه ما فيه الغرض ، وصار من خواصه ، ولم يكن عند أهل الدولة علم من أن المستنصر استدعاه ، وظنوا أنه قدم زائرا ، فلم يتأخر أحد منهم عن ضيافته ، والقيام بما يتعين من كرامته ، وقدموا إليه أشياء كثيرة ، وحين كملت خدمة الجميع ، استدعى الأمراء إلى دعوة صنعها لهم ، وقرر مع خواصه أنه إذا بات الأمراء ، وجهم الليل ، فإنه لابد لكل واحد منهم أن يصير إلى الخلاء لقضاء حاجته ، فمن صار منهم إلى الخلاء يقتل فيه ، ووكل بكل أمير واحد من أصحابه ، وجعل له سائر ما هو بيد ذلك الأمير من اقطاع وجار ودار ومال وجواري وغير ذلك ، فلما حضر الأمراء عنده ، وقام لهم بما يليق بهم ظلوا نهارهم عنده ، وهم في أرغد عيش ، وباتوا مطمئنين إليه ، فلم يطلع الفجر حتى استولى أصحاب أمير الجيوش على بيوت الأمراء ، وصارت رؤوس الأمراء بين يديه ، فقويت شوكته ، وانبسطت يده ، وخلت الديار له من كل منازع ، فاستدعاه حينئذ المستنصر ، وقرره في الوزارة ورد إليه الأمور كلها ، وعاهده على ذلك ، وكتب له سجل نعت فيه «بالسيد الأجل أمير الجيوش ، كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين ، وصار القاضي والداعي نائبين عنه يقلدهما هو».
(١) في ترجمة أتسز للمقريزي في كتابه المقفى معلومات مفيدة عن حملة أتسز على مصر ومحرضاته ، ومما جاء فيها : «وكثر عسكره ـ أتسز ـ بمن فر إليه من مصر خوفا من أمير الجيوش بدر الجمالي ، وحدثته نفسه بأخذ مصر ، فسار إليها في سنة تسع وستين وأربعمائة ، وقد صار إليه ناصر الجيوش ، أبو الملوك تركان شاه بن سلطان الجيوش يلدكوز ، وأهدى إليه ستين حبة لؤلؤ نزيد زنة الحبة منها على مثقال ، وحجر من ياقوت زنته سبعة عشر مثقالا ، في تحف كثيرة ، مما كان قد أخذه أبوه من خزائن القصر ، وأغراه بأخذ مصر ، وأطمعه في أهلها ، فحشد ، وهم على حين غفلة ، وكان أمير الجيوش قد خرج لقتال العرب بالصعيد ، فنزل اتسز في أرياف مصر ، وأقام بها شهر جمادى وبعض شهر رجب ، ومعه نحو الخمسة آلاف ، فلما بلغ ذلك أمير الجيوش قدم إلى القاهرة واستعد إلى لقائه ، وخرج في يوم الخميس سابع عشر رجب ، وسير المراكب في النيل بالعلوفات والميرة ، وسار في نحو الثلاثين ألفا ما بين فارس وراجل فخافه أتسز وعزم على العودة عن مصر إلى الشام».
(٢) نقل لنا صاحب مرآة الزمان في أخبار سنة / ٤٦٩ ه / تفاصيل مهمة جدا عن حملة أتسز ، سبق لأمدروز ناشر ابن القلانسي الأول أن أثبتها في الحاشية ، ولقد أبقيتها بعد ما ضبطتها على مخطوطتي باريس وأحمد الثالث في استانبول : «وفي رجب ـ ٤٦٩ ه ـ عاد أتسز الخوارزمي إلى دمشق منهزما من القاهرة ، في خمسة عشر فارسا ، وقد نهبت أمواله ، وقتلت رجاله ، وكان لما تسلم دمشق تصور في عزمه قصد مصر ، فجمع من التركمان ، والأكراد والعرب ، عشرين ألفا ، ووصل إلى الريف ، وأقام نيفا وخمسين يوما ، يجمع الأموال ، ويسبي الحريم ، ويذبح الأطفال ، وهو يراسل بدر الجمالي ، ويطلب المال ، وقد انزعج الناس ، وكان عسكر مصر بالصعيد ، يحارب العبيد ، فضمن له بدر مائة وخمسين ألف دينار ، واستدعى من كان بالصعيد من العساكر والسودان ، وكان مع أتسز بدر بن حازم الكلبي في ألفي فارس ، فاستماله بدر ، فانتقل إلى