سنة تسع وستين وأربعمائة
فيها جمع الملك أتسز واحتشد ، وبرز من دمشق ، ونهض في جمع عظيم إلى ناحية الساحل ، ثم منها إلى ناحية مصر طامعا في ملكتها ، ومجتهدا في الاستيلاء عليها ، والدعاء عليه من أهل دمشق متواصل ، واللعن له متتابع متصل (١).
فلما قرب من مصر وأطلت خيله عليها ، برز إليه أمير الجيوش بدر في من حشده من العساكر ، ومن انضاف إليها من الطوائف والعرب ، وكان قد وصل إليها واستولى على الوزارة (٢) وعرف ما عزم عليه
__________________
(١) هذا الكلام يناقض ما سبقه ، وفيه دليل على أن ابن القلانسي اعتمد على روايات متباينة ولم يقم بالتنسيق بينها ، بل اكتفى بالنقل بعد حذف الأسانيد وأسماء المصادر ، وفي مرآة الزمان ، حوادث سنة ٦٤٩ وصف لأحوال دمشق فيه تفاصيل مدهشة منها : «ولم يبق بها من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمسمائة ألف أفناهم الفقر والغلاء والجلاء ، وكان بها مائتان وأربعون خبازا ، فصار بها خبازان ، والأسواق خالية ، والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار ينادى عليها عشرة دنانير فلا يشتريها أحد ، والدكان الذي كان يساوي ألف دينار ما يشترى بدينار ، وكان الضعفاء يأتون للدار الجليلة ذات الأثمان الثقيلة ، فيضربون فيها النار فتحرق ، ويجعلون أخشابها فحما يصطلون به ، وأكلت الكلاب والسنانير ، وكان الناس يقفون في الأزقة الضيقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم ويأكلونهم ، وكان لامرأة داران قد أعطيت قديما في كل دار ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ، ولما ارتفعت الشدة عن الناس ظهر الفأر ، فاحتاجت إلى سنور فباعت إحدى الدارين بأربعة عشر قيراطا ، واشترت.
(٢) أورد المقريزي في كتابه المقفى ترجمة لبدر الجمالي تحدث بها عن استيلائه على السلطة في القاهرة ، فقال بعد ما وصف أخذ أتسز لدمشق وفلسطين : «فلم يزل أمير الجيوش بعكا إلى أن انتهكت حرمة المستنصر بتغلب ناصر الدولة الحسن ابن حمدان إلى أن قتل ، فاستطال عليه الأمير يلدكوز والأتراك والوزير ابن أبي كدينة ، فكتب إلى أمير الجيوش كتابا من املاء الوزير أبي الفرج محمد بن جعفر بن المغربي ، وهو يومئذ يتولى الانشاء ، يستدعيه للقدوم عليه ، وانجاده من جملته : فإن كنت مأكولا ، فكن خير آكل ، وإلا فأدركني ولما أمزق.
فلما بلغه الكتاب قال : لبيك ، وكررها ثلاثا ، وكتب إلى المستنصر يشترط عليه أن لا يقدم إلا بعسكر معه ، وأنه لا يبقي على أحد من عساكر مصر ، فأنعم له بذلك ، فسار من عكا بمائة مركب مشحونة بالأرمن وغيرهم من العسكر ، فنهاه الناس عن ركوب البحر من أجل أن الوقت شتاء في كانون الأول ، فأبى ونزل على دمياط بعد يومين من اقلاعه ، فزعم البحرية أنهم لم يعرفوا صحوة تمادت أربعين يوما في الكوانين إلا هذه ، فكان هذا الأمر بدء سعادته ، واستدعى تجار تنيس واقترض منهم مالا ، وأقام له سليمان اللواتي بالعليق وغيرهم من الضيافة ، وسار إلى ظاهر قليوب ، وبعث إلى المستنصر يقول له : لا أدخل القاهرة ما لم تقبض على يلدكوز ، فأمسكه ،