بالقاهرة ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة ، وولي الأمر وعمره عشر سنين وستة أشهر وستة أيام ، وفقد في العشر الأول من شوال سنة إحدى عشر وأربعمائة ، وعمره ست وثلاثون سنة ومدة أيامه خمس وعشرون سنة وشهران وأيام ، ونقش خاتمه «بنصر الإله العلي ينتصر الإمام أبو علي» ، وكان غليظ الطبع ، قاسي القلب ، سفاكا للدماء ، قبيح السيرة ، مذموم السياسة ، شديد التعجرف والاقدام على القتل غير محافظ على حرمة خادم ناصح ولا صاحب مناصح.
وقام في الأمر بعده ولده أبو الحسن علي الظاهر لإعزاز دين الله ، وأخذت له البيعة (٥٠ ظ) بعد أبيه في يوم النحر من سنة إحدى عشر وأربعمائة واستقامت الأمور بعد ميلها ، وأمنت النفوس بعد وجلها ، وحسنت السيرة بعد قبحها ، وارتضيت السياسة بعد النفور عنها.
ورد تدبير الأعمال فيها وتسديد الأحوال ، ولم ما تشعث منها إلى الوزير صفي أمير المؤمنين وخالصته أبي القاسم علي بن أحمد الجرجرائي ، وكتب له السجل بالتقليد من إنشاء ولي الدولة أبي علي بن خيران متولي الانشاء ، وقرىء بالحضرة على القواد والمقدمين في ذي الحجة سنة ثمان عشرة وأربعمائة ونسخته بعد البسملة :
أما بعد ، فالحمد لله مطلق الألسن بذكره ، ومجزل النعم بشكره ، ومصرف الأمور على حكم إرادته ، وأمره الذي استحمد بالطول والنعماء ، وتمجد بالحكمة والسناء ، وملك ملكوت الأرض والسماء واستغنى عن الظهراء والوزراء ، وأكرم عباده بأن جعل تذكرته لهم (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ)(١) فسبحان من نظر لخلقه فأحسن وأنعم ، و (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ
__________________
(١) القرآن الكريم ـ عبس : ١٢ ـ ١٦.