الساحل ، فكان يحط بخيمة ، وما يمر ببلد إلا كان وصوله يوما مشهودا ، وأخرجت الحضرة ثيابا حسنة وطيبا كثيرا وأمرت الشريف (٥٠ و) أثير الدولة ابن الكوفي أن يتولى تكفينه ودفنه ، وأن يأمر من بالرملة من غلمانه بالتحفي والمشي خلف جنازته ، وأن ينادي بألقابه ، فنودي بها ، ودفن في التربة التي له في بيت المقدس ، فسبحان من لا يزول ملكه ، ولا يخيب من عمل بطاعته ، المجازي عن إحسان السيرة بالإحسان ، وعن السيئات في العقبى والمآل ، ذو الجلال والكمال الغفور الرحيم.
ولما زاد أمر الحاكم بأمر الله في عسف الناس ، وما ارتكبه من سفك الدماء ، وافاظة النفوس (١) ، وأخذ الأموال ، وقتل الكتاب والعمال ، والفتك بالمقديمين من الوزارء والقواد ، وأكابر الأجناد ، وعدل عن حسن السياسة والسداد ، وزاد خوف خدمه وخواصه منه ، واستوحشوا من فعله ، وشكا المقدمون والوجوه إلى أخته ست الملك بنت العزيز بالله ، هذه الأحوال فأنكرت ما أنكروه ، وأكبرت ما أكبروه ، واعترفت بصحة ما شكوه ، وحقيقة ما كرهوه ، ووعدتهم إحسان التدبير في كشف شره ، وإجمال النظر في أمورهم وأمره ، ولم تجد فيه حيلة يحسم بها داؤه إلا العمل على إهلاكه ، وكف أذاه بعدمه ، وأعملت الرأي في ذلك وأسرته في النفس ، إلى أن وجدت الفرصة مستهلة ، فابتدرتها والغرة بادية فاهتبلتها ، ورتبت له من اغتاله في بعض مقاصده ، وأخفى مظانه فأتى عليه ، وأخفي أمره إلى أن ظهر في عيد النحر من سنة إحدى عشرة وأربعمائة وقال المغالون في المذهب إنه غائب في سره (٢) ولابد أن يؤوب ، ومستتر في غيبه ولابد أن يرجع إلى منصبه ويثوب ، وكان مولده
__________________
(١) أي ازهاق النفوس
(٢) هذا ما نراه في كتاب رسائل الهند ، حيث قيل بأنه ذهب في سياحة طويلة أخذته إلى الشام ومن هناك حتى الهند ، وهذا الكتاب نشر ووزع بشكل محدد تماما ، وهناك أكثر من نسخة خطية منه ، واحدة في المتحف البريطاني ، كنت رأيتها واستخرجت منها نصا عسكريا نشرته منذ سنوات.