كتب عبد الدولة العلوية والإمامية الفاطمية ، والخلافة المهدية ، عن سلامة تحت ظلها ، ونعمة منوطة بكفلها ، وهو متبرىء إليها من ذنوبه الموبقة ، واسائته المرهقة ، لائذ بعفو أمير المؤمنين ، متنصل أن يكون في جملة المجرمين المذنبين ، عن غير إساءة إقترفها ، ولا جناية احتقبها ، عائذ بكرمها ، صابر لحكمها ، لقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(١) وهو تحت خوف ورجاء ، وتضرع ودعاء ، قد ذلت نفسه (٤٩ ظ) بعد عزها ، وخافت بعد أمنها ، ورسخت بعد رفعتها ، (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ)(٢) وأي قرب لمن أبعدته ، وأي رفعة لمن حططته ، والعبد بفخرها شمخ ، وبجدها طال وبذخ ، فزكت نصبته ، وطابت أرومته ، وسمت فروعه ، وكان كقوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها)(٣) فلما أنكرت الدولة حاله ، وقبحت أفعاله ، وأزرت عليه ، خذله الأنصار ، وقل بعد الإكثار ، فصار كقول الملك الجبار (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ)(٤) ، غير أن العبد يتوسل بوكيد خدمته ، وقديم نصيحته ، ومجاهدته لأعداء الدولة مذكرا قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ. وَيُصْلِحُ بالَهُمْ)(٥) ، وهو مع ذلك معترف بذنوب ما جناها ، وإساءة ما أتاها ، ذاكرا ما نزل الله في كتابه المبين على سيد المرسلين (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦) عفا الله عن أمير المؤمنين ، أهل بيت العفو
__________________
(١) القرآن الكريم ـ البقرة : ١٥٥.
(٢) القرآن الكريم ـ الرعد : ٣٣.
(٣) القرآن الكريم ـ ابراهيم : ٢٤ ـ ٢٥.
(٤) القرآن الكريم ـ ابراهيم : ٢٦.
(٥) القرآن الكريم ـ محمد : ٤ ـ ٥.
(٦) القرآن الكريم ـ التوبة : ١٠٢.