وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(١) ، فبدلت النعمة كفرا ، ووضعت موضع الخير شرا ، وقد انتهى إلى حضرة أمير المؤمنين افتخارك بجمع الأموال واكتنازك لها لأمر يدهمك ، أو ليوم ينفعك (٢) ، أفما قرأت القرآن العظيم ، أما تدبرت قول الملك الرحيم في قصة قارون لما بغى واعتدى ، وازداد في الطغيان ، حيث يقول جل وعلا :
(فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ)(٣) أما رأيت الأمم الماضية الذين عادوا الدولة ، ونصبوا لها العداوة الشديدة ، انظر إلى ديارهم كيف قل فيها الساكنون ، وكثر عليها الباكون ، قال تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٤) فاشتغل عن إصلاح العين ، وعن خطرك في حساب الفرقدين ، وافتكر في رب المشرقين ورب المغربين ، حيث يقول جل جلاله : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(٥) وقد عرف أمير المؤمنين بكتاب الله الأعلى ، الذي نزل على خاتم الأنبياء حيث يقول : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(٦).
فلما سمع ما اشتمل عليه هذا السجل من الإنكار والوعظ بالآيات والتخويف ، عظم الأمر عليه وضاق صدره لتغير النية فيه ، ورأى من الصواب إعادة الجواب بالتلطف والتنصل مما ظن به ، والاعتذار والترفق في المقال ، والاعتراف بما شمله قديما وحديثا من الاحسان والافضال ، فكتب بعد البسملة :
__________________
(١) القرآن الكريم ـ الضحى : ١ ـ ٨.
(٢) قدر المقريزي في ترجمته للدزبري ثروته بأكثر من مليون دينار ، وبين أنه «في آخر عمره ، انحرف عن مذهب الاسماعيلية ، وكان هذا أعظم أسباب الوحشة بينه وبين أهل الدولة بمصر».
(٣) القرآن الكريم ـ القصص : ٨١.
(٤) القرآن الكريم ـ النمل : ٥٢.
(٥) القرآن الكريم ـ البلد : ٨ ـ ١٠.
(٦) القرآن الكريم ـ الشعراء : ٢٢٧.