قديما صاحب دواة الملك عضد الدولة ، فسلم عليه ، وقال له : ألك حاجة إلى أمير المؤمنين؟ فقال له : من أنت؟ قال : فلان ، قال : عرفت حالك وسدادك وأريد أن توصل لي رقعة إلى أمير المؤمنين ، فقال : اكتبها وهاتها ، فاستدعى أبو ركوة دواة من أصحاب الفضل ، ودرجا ، وكتب فيه : يا أمير المؤمنين إن الذنوب عظيمة والدماء حرام ما لم يحلها سخطك ، وقد أحسنت وأسأت وما ظلمت إلا نفسي ، وسوء عملي أوبقني ، وأنا أقول :
فررت ولم يغن الفرار ومن يكن |
|
مع الله لا يعجزه في الأرض هارب |
ووالله ما كان الفرار لحاجة |
|
سوى جزع الموت الذي أنا شارب |
وقد قادني جرمي إليك برمتي |
|
كما أخر ميتا في رحا الموت سارب |
واجمع كل الناس أنك قاتلي |
|
ويا رب ظن ربّه فيه كاذب |
وما هو إلا الانتقام تريده |
|
فأخذك منه واجبا لك واجب |
فمضى ختكين إلى الحسين بن جوهر فعرفه ما جرى ، وأعطاه الرقعة فوقف عليها الحاكم ، ثم ركّب جملا وعليه طرطور ، وخلفه قرد معلم يصفعه بالدرة ، وكان الحاكم قد جلس في منظرة على باب من أبواب القصر يعرف بباب الذهب ، فلما وقف به استغاث وصاح بطلب العفو ، فتقدم إلى مسعود السيفي بأن يخرجه إلى ظاهر القاهرة ويضرب عنقه على تل بإزاء مسجد زيدان ، فلما حمل هناك وأنزل وجد ميتا ، فقطع رأسه وحمله إلى الحاكم حتى شاهده ، وأمر بصلب جثته ، وكان الفضل قد قطع رؤوس من قتل في الوقعة ، فقيل إنها كانت ثلاثين ألف رأس ، فلما شهرت عبيت في السلال ، وسيرت مع خدم شهروها في الشام حتى انتهوا بها إلى الرحبة (١) ، ثم رميت في الفرات ، وقدم الحاكم الفضل وأقطعه وبالغ في اكرامه إلى أن عاده في علة عرضت له دفعتين ، فاستعظم الناس فعله معه ، فلما عوفي عمل عليه وقتل.
__________________
يغطي على تواطئه معه. انظر تاريخ دولة الكنور الاسلامية للدكتور عطية القوصي ـ ط. القاهرة ١٩٧٦ : ٤٩ ـ ٥٦.
(١) رحبة مالك بن طوق على الفرات ، خرائبها في أحواز بلدة الميادين الحالية في سورية.