والناس ، وشكوا إليه ما لحقهم وتلف من دورهم وأملاكهم وأموالهم ، فأمنهم ، وكف المغاربة عنهم ، وأظهر اعتقاده الجميل فيهم ، وكتب المناشير بالصفح عن الجناة وإيمان الكبير والصغير منهم ، ورفع الكلف والمؤن عنهم ، وإفاضة العدل والانصاف فيهم ، وقرئت في المسجد الجامع على رؤوس الأشهاد ، فسكنت إلى ذلك النفوس ، واطمأنت به القلوب ، ورجعوا إلى ما كانوا عليه ، واختلط المغاربة بهم وركب القائد سلمان إلى الجامع في يوم الجمعة بالطيلسان على البغل السندي ، وخرق في البلد بالسكينة والوقار وبين يديه القراء ، وقوم يفرقون قراطيس دراهم الصدقات على أهل المسكنة والحاجة ، وكان لهذا القائد سلمان نفس واسعة وصدر رحب ، وقدم في الخير متقدمة ، ورغبة في الفعل الجميل مشهورة ، ومقاصد في الصلاح مشكورة بعد الحسن بن عمار ، ولما صلى عاد إلى القصر الذي بني بظاهر البلد ، ونزل فيه وقد استمال قلوب الرعية والعامة بما فعله وأظهره من حسن النظر في الظلامات المرفوعة إليه ، وإطلاق جماعة كانت في الحبوس من أرباب الجرائم المتقدمة والجنايات السالفة ، واستقام له الأمر واستقرت على الصلاح الحال ، وصلحت أحوال البلد وأهله بما نشر فيه من العدل وحكم به من الإنصاف ، وأحسنه من النظر في أمور السواحل بصرف من صرفه من ولاتها الجائرين ، واستبدل بهم من شيوخ كتامة وقوادها ، ورد إلى علي أخيه ولاية طرابلس الشام ، وصرف عنها جيش بن الصمصامة ، فمضى جيش المذكور إلى مصر من غير أن يقصد القائد سلمان ويجتمع معه.
وكان جيش هذا من شيوخ كتامة أيضا ، إلا أن سلمان كان سيء الرأي فيه لعداوة بينه وبينه ، فلما حصل جيش بمصر (٣٤ و) قصد برجوان سرا وطرح نفسه عليه ، وأعلمه بغض أهل الشام للمغاربة واستيحاشهم منهم ، فأولاه برجوان الجميل قولا ووعدا ، وبذل له المعونة على أمره ، وتأمل برجوان ما يلي به في الأحوال من الحسن بن