هو مقيم في الريف ، وذلك لصفاء هوائها عن الدخان. ومن كل جهة منها يستنشق نسيم البحر. وهي مبنية من حجارة منيعة باقية على الدهر. ويمكن أن يقال :» إنه ليس في الدنيا كلها مدينة مثلها على هذا الوضع الأنيق. أما أهلها فما برحوا محافظين على عاداتهم ورسومهم القديمة وهي مخالفة لعادات الإنجليز جدا.
كلاسكو
أما كلاسكو فإنها أعظم منها في التجارة ، فإنها كلها عبارة عن معامل للثياب المنسوجة وغيرها. وهي وإن تكن أقل تجارة من منشستر إلا أن في هذه بيوتا كثيرة ، ومحترفات عديدة تختص بتلك. أما تجارتها وأشغالها في الحديد فعظيمة للغاية ، وأما في إنشاء المراكب والآلات من الحديد فمن الطراز الأول. فإنك نرى حولها أتاتين عديدة لا تزال متأججة حتى كأنّ ذلك القطر قطر جحيمي ، وحتى يخيّل للناظر أن خاطر الإنسان يرتاح إلى النار والدخان ، وإلى طقطقة الطارق إرتياحه إلى المكث في صقع من إيطاليا ، وإلى رؤية الرياض ، واستماع أصوات العيدان. وكأنّ هؤلاء الدخانيين لا يحسدون أحدا سواهم ممن يسكن في الريف المريع ، ولا يبالون بما تقوله الشعراء من وصف المروج الناضرة ، والجداول المترقرقة وغير ذلك من مسارح النظر الأنيقة. فما قاله ملطون حكاية عن الشيطان حين هبط إلى دركات الجحيم واستسلم إلى ما قدّر عليه ، ورضي بما طرأ عليه هناك من شواغل حياته الجديدة وهو «كن يا شر لي خيرا» إنما هو صفة هؤلاء الناس لا تتعداهم. فإنهم يتبجحون بكثرة مواقدهم ، وتكاثف دخانهم ، وكأنّ المدينة حالة كونها تقئ بعمد من النار ليلا ، وبعمد من الدخان نهارا ، تذكرة تذكّر الناسي بخروج بني إسرائيل من مصر.
ولا شيء أعجب هنا من أن يرى الرائي تعدّد الألواح فوق حوانيتها ، وهي التي تكون عنوانا على اسم التاجر وحرفته ، فإن التاجر في لندرة يكتفي بوضع لوح واحد فوق حانوته ، فأما الطبقة التي فوق الحانوت فإنها تكون غالبا مقرا لعياله. أما في كلاسكو فإنك ترى حانوتا فوق حانوت ، ومخزنا فوق مخزن ، بل أعظم الحوانيت هي التي تكون فوق الطبقة الأولى. وقد تكون الدار كلها عبارة عن مخزن بضائع ، وأينما