أن يستبد بمنافعه إلى مدة مديدة فأنشأ معملا في دربى ، ولم تمض عليه مدة حتى أحرز أموالا طائلة ، وطار ذكره بين الناس ، فحدث باستنباطه هذا في أشغال النسيج تغيير عظيم من تنقيص الصنّاع ، وترخيص سعر الثياب.
وحكي عنه حكاية غريبة ، وهي أنه ذهب إلى بعض أعمال إنكلترة وأوهم أهلها أن الدولة جردته لأن يقص شعورهم ، ليسلموا من عدوى البلاء الذي كان فشا بين جيرتهم ، فانقادوا له فلم يبق إلا من قصّ شعره وأتحفه به ، فأخذ تلك الخصل وصبغها ، وانتفع بها انتفاعا جزيلا.
قال بعض العلماء من الإفرنج لو لا استنباط أرك ريت لما استطاعت دولة الإنكليز أن تقاوم نابوليون الأول مدة خمس وعشرين سنة حتى قهرته في آخر الأمر ، وقصرته في جزيرة صنت هيلان.
صناعة نسج الحرير
وأول من أتقن صنعة نسج الحرير في إنكلترة جماعة هربوا من فرنسا إلى لندرة وذلك سنة ١٢٨٦. وأصل جلب الحرير المصنوع إلى بلاد اليونان كان من بلاد فارس ، وذلك في سنة ٣٢٥ قبل الميلاد ، وعرف في رومية في أيام طيباريوس ، وحرّم على الرجال دون النساء. وأول من لبس ثوبا منه هليوغابالوس (٢٤٤) وذلك في سنة ٢٢٠ للميلاد. وكان ثمن الحرير أولا في قيمة الذهب وزنا بوزن ، وكان يظن أنه ينبت من الأرض كشجر القطن.
وفي القرن السادس جلب دود القز من الهند إلى أوربا. وفي سنة ٧٨٠ أهدى شارلمان حلّة منه إلى «أفّا» ملك مرسية. وفي سنة ١١٣٠ حرض روجر ملك صقلية رعيته على عمله ، فكانوا يربون دود القز ويغزلون الحرير وينسجونه. ثم اشتهرت صنعته في إيطاليا وإسبانيا وجنوب فرنسا ، وذلك في سنة ١٥١٠. وفي سنة ١٥٨٩ كثّر هنري الرابع دوده وشجره في جميع المملكة. وفي سنة ١٢٨٦ لبس بعض نساء
__________________
(٢٤٤) أحد قياصرة الرومانيين (ط. أ)