سبل الحياة أمامها
؛ لتساهم في قيادة المجتمع وتطويره.
لقد وجّه الشدياق
عنايته إلى كلّ ما يمكّن الأمّة من اليقظة ، والإصلاح الشامل في كافّة مناحي
الحياة ؛ للّحاق بركب المدينة الحديثة على أساس من خصوصيّة الأمّة الحضاريّة
والأخلاقيّة التي تميّزها عن سواها من الأمم. لأنّه خبر مدنيّة الغرب عن كثب ،
وخالط أهلها ، ووقف على منجزاتها العلمية والتقنية وقوف الفاحص المدقّق ؛ ليعرف
حقيقتها ، ويميّز جوهرها من عرضها ، وصالحها من طالحها مسلّحا بصر العلماء ، وجلدهم
وأمانتهم ؛ ليدوّن هذه التجربة في هذه المعلمة الطريفة التي نحن بصدد إحيائها بعد
مضيّ ما يقرب من قرن وربع القرن على آخر طبعة لها.
يقع هذا الكتاب في
جزأين : الأول هو : الواسطة في معرفة أحوال مالطة» ، والثاني: «كشف المخبّا عن
فنون أوربا» وقد تصدّرت الكتاب بجزأيه مقدّمة واحدة تبين الغرض من تأليفه.
ففي الجزء الأول :
يبيّن المؤلّف حسب تعبيره «ما ظهر من أمر هذه الجزيرة وما بطن ، ويكشف مخبأها لمن
رغب فيها ، أو عنها» ولكن الكتابة عن هذه الجزيرة وحدها ، لا تروي له غليلا ، أو
تضيف إلى وصفه لها فوائد تاريخيّة خطيرة ؛ فاغتنم فرصة سفره إلى بلاد الإنكليز
المتمدّنة ؛ ليشفع واسطته برحلة أكبر خطرا ، وأعمّ نفعا ؛ فقيّد خواطره ،
ومشاهداته حينا ، ونقل أحيانا أخرى من الكتب «ما ليس للفكر فيه مسرح ، وللطّرف
إليه مطمح» راجيا من كلّ ذلك أن يقتدي قومه بتلك المفاخر والمآثر ، وبما في بلادهم
من التمدّن ، والبراعة والتفنن ، وبما حقّقوه «من المصالح المدنيّة ، والأسباب
المعاشية ، وانتشار المعارف العموميّة ، وإتقان الصنائع ، وتعميم الفوائد والمنافع».
ففي حديثه عن
مالطة ، يستهلّ كلامه بلمحة جغرافية وتاريخية تحدّد موقعها على الخريطة ، وتذكر
تعاقب الفاتحين عليها إلى أن أصبحت تحت الحماية البريطانية. ثم يفرد فصلا خاصّا
للحديث عن هوائها ، ومنازهها ، ويخصّ قاعدتها «فالتة» بوصف مفصّل لدورها ،
وشوارعها ، وأسواقها ، وكنائسها ، ومدارسها ، ولا يغادر معلما من معالمها دون أن
يتناوله بالذكر. ثم يفيض بالحديث عن عادات المالطيين في أفراحهم وأتراحهم ، وأنماط
عيشهم ، وتباين أحوالهم ، وطبقاتهم ، كما يصف ملابسهم ،