سيدي محمد سعيد ، فو الله الذي لا إله إلا هو ، عالم السر وأخفى ، أنهم خدمونا وأكرمونا ، وأعزونا بحيث لو كانوا (١) أولادي لما حصل لي منهم ما حصل ، بأخلاق (١٢٦ أ) رضية ، وطباع سنية ، ورقة ولين جانب ، مع البشر وطلاقة الوجه ، حتى إن الحاج مصطفى بكداش مع ـ جلالة قدره ـ بنفسه يركبني الدابة ، وينزلني منها ، وبنفسه يسقيني الماء وقهوة البن ، وكل وقت وساعة يسألني عن حالي ويمتن ، حيث وفقه الله لخدمتي ، ولم نزل نحن ضيوفه منذ دخلنا الشام إلى أن توجه الحاج ، كل ليلة يعشينا في بيته ، وإذا خرجنا من داره ، يشيعنا إلى آخر الزقاق ، وهو يحمد الله على أن وفقه لأكرامنا ، ويحث علينا ، ويؤكد بالعود الليلة الآتية كل ليلة ، هذا دأبه فما والله نسي هذه العادة ، ولا ذهل عنها ، حتى إنا انقطعنا ليلة من الليالي فتألم كثيرا ، وعاتبنا معاتبة كثيرة ، وقال : والله الدار دار كم ونحن خدامكم ، وو الله إنا نتأنس بكم ، ونتشرف بقدومكم. فإذا رأى منا البطء ، عيّن ولديه النجيبين وأخاه السعيد يفتشون علينا ، فو الله إني لا أستطيع حصر أوصافه ، ولا ضبط مكارمه وألطافه ، جعله الله وولديه وأخاه من سعداء الدارين بمحمد المصطفى سيد الكونين (١٢٦ ب) والثقلين والفريقين ، وجعل داره معمورة بالمسرات ، مغمورة بالنعم والمبرات ، وجزاه عنا خير الجزاء ، وأسبغ عليه النعم والآلاء. وأما صاحبنا صالح أفندي دقوز زاده الموصلي (٢) فإنا ، منذ دخلنا دمشق إلى أن توجه الحاج ، نبيت في داره ، وفي بعض الأوقات نتعشى عنده ، وكل ليلة من ليالي رمضان ندخل داره المعمورة بعد صلاة التراويح ، ولم يزل يعللنا (٣) ويسامرنا وينادمنا ، ويذكر لنا أحوال الغربة ، ويسلينا وينصحنا إلى أن يأتي وقت السحور ، فيخرج لنا الألوان من الأطعمة الفاخرة ، ونكرر فناجين قهوة البن إلى أن يقرب زمن نومنا ، فيدخل إلى حرمه ، وكل ليلة بل كل ساعة يقول : والله إن هذه السنة مباركة علينا ، ولم يحصل لي
__________________
(١) في النسختين (كان).
(٢) لم يشر إليه فيما تقدم ، مع تنويهه هنا بصحبته ، ولم نقف له على ترجمة
(٣) تعلل ، تعلولة ، لفظة بغدادية عامية ، بمعنى سهر الليل في أنس الصحبة.