وقفت على عبارة الشيخ الكواكبي (١) فلقد أحسن ـ رحمهالله ـ كل الإحسان ، ونصها : أقول الشيء في الأصل وإن كان مصدرا أو يكون بمعنى المشيء (٢) لكن إطلاقه لغة على ما يصح أن يخبر عنه فيعم الواجب والممكن والممتنع ، فالتخصيص بناء. ثم قال سعدي أفندي (١٠٢ ب) هنا ما نصه : ولو سلم ذلك إلى قوله موجد ذاته ، أقول لا يخفى ما فيه من البشاعة والشناعة فالإيجاد إحداث الوجود كما أن الإعدام إحداث العدم ، ولذا قالوا : إنه لا يتعلق بالوجود الممكن لما فيه من تحصيل حاصل فضلا عن أن يتعلق بالواجب القديم الذي لا ينفك الوجود عنه. والذي عليه المتكلمون أن وجوده سبحانه مقتضى ذاته من غير احتياج إلى الغير ، وأن صفاته واجبة به تعالى ، وهذا لا يقتضي صحة أن يقال في حقه ـ سبحانه وتعالى ـ أنه موجود ذاته أو صفاته ، كيف والإيجاد إخراج الشيء من العدم إلى الوجود. وأما الخلق فهو الإيجاد على قدر وتسوية كما ذكره القاضي (٣) وغيره ، فهو أخص من هذا الوجه لا من الوجه الذي ذكره المحشي ويشتركان في إحداث الوجود ، فلو عبر في الآية الكريمة بالإيجاد بدل الخلق لاحتيج إلى التخصيص أيضا ، فالإيجاد جعل الشيء موجودا (٤) بعد أن لم يكن ، أي لا يتعلق بالقديم (٥) أيضا ، انتهى. وهو كلام حسن بل هو الصواب والله أعلم.
__________________
(١) يريد الشيخ محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي الحلبي ، ولد سنة ١٠١٨ وتوفي سنة ١٠٩٦ ه ، أحد كبار علماء حلب في عصره ، وصفه المحبي بقوله «مفتي حلب ورئيسها والمقدم فيها في الفنون العقلية التزم مع سعة الجاه وشهرة الصيت والأناة والحلم». وذكر أن من تآليفه حاشية على تفسير البيضاوي التزم فيها مناقشة سعدي ، وأخرى ناقش فيها عصام الدين (الأسفراييني) وحاشيته الأولى هي التي يشير إليها المؤلف هنا ، وينظر أيضا الطباخ : أعلام النبلاء ج ٦ ص ٣٨٠ والبغدادي : هدية العارفين ج ٢ ص ٢٩٩
(٢) كذا في أ، وفي ب (الشيء) ولا وجه لها.
(٣) هو القاضي زكريا بن محمد الأنصاري المصري المتوفّى سنة ٩٢٦ ه ، وله حاشية على تفسير البيضاوي ، سماها (فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل) وهي التي يشير إليها المؤلف هنا.
(٤) في ب (موجدا).
(٥) في ب (التقديم).