وكتبت منها إلى الموصل ، لقريبنا عثمان آغا ابن درباس الدوري ثم الموصلي (١) كتابا (١٠٣ أ) صورته : إن أبهى ما حاكته اليراعة من الوشي المحبر ، وأشهى من مواصلة الحبيب بعد ما صد وهجر ، تحيات صدرت من صدر عرى عن داء الملق ، وسلم من عضال النفاق وبحسن الوفاق تخلق ، واتخذ المودة ديدنه وشنشنته ، وغرس المحبة في فؤاده فصارت خلقه وسجيته ، تزف إلى من جر على مجرى المجرة ذيل مجده ، وسما على كيوان فلك إقباله وسعده ، تضوعت شمائله وأخلاقه ، وزكت أصوله وأعراقه ، وتخلص من الدنس محتده ونجاره ، وعلا الجوزاء شرفه وفخاره ، ذي الأخلاق التي يحاكيها المسك لولا فارته (٢) ، والسمات التي يشبهها الورد لولا مرارته ، والجهم (٣) الذي لا تقرع صفاته ، والندس (٤) الذي لا تناط صفاته ، عزت نظائر أمثاله ، وضن الدهر بأن يأتي بمثاله ، ولدنا الأكرم المطهر من وصمة الأدناس ، السالم نسبه من قذر الأرجاس ، عثمان آغا بن درباس ، لا زالت ألوية سعده تخفق على كواهل الدوام ، ولا برحت أعلام مجده منشورات على أعواد السمو بين الأنام. وبعد ، فإن منّ مولانا بالسؤال عن حال ودوده (١٠٣ ب) ، فهو مقيم على ما تعهد من عهود ، إلا أن شوقه الشديد نغّص عليه عيشه الرغيد ، يتذكر تلك الشمائل التي أزرت بالعنبر الأشهب ، والأخلاق التي بزّت المسك فكيف الرند (٥) والزرنب (٦) ، لم يزل يذكر تلك الليالي التي كلها أعياد ، والأوقات التي تجردت عن الأكدار والأنكاد :
أحن إذا خلوت إلى زمان |
|
تقضّى لي بأفنية الربوع |
__________________
(١) في ب (الموصولي) ، وقد سبق أن ذكر المؤلف أنه كان من أوائل من التقى به في الموصل ، وأنه نزل في بيته.
(٢) الفأرة : نافجة المسك ، والفأر المسك ، وسميت فارة المسك لفوران رائحتها ، ويجوز همزها لأنها على هيئة الفأرة.
(٣) الجهم : العابس.
(٤) الندس : الفهم الكيس.
(٥) الرند : شجرة صغيرة طيبة الرائحة.
(٦) الزرنب : بقر الوحش.