الظاهرة الثانية :
وتبرز ملامحها في تيسير القرآن العظيم ،
لمعالم اللغة ، ومعاني النحو ، ودلالة الألفاظ ، مما أوجد حركة لغوية دائبة ،
وأصالة إعرابية متجددة ، نشأت عنهما مناهج اللغة من جهة ، ومدارس النحو من جهة
أخرىٰ.
فالمنهج اللغوي عند العرب مدين بإرساء
قواعده لأصالة القرآن ، فهذا الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت : ١٨٠ ه ) وسيبويه ( ت
: ١٨٠ ه ) والفراء ( ت : ٢٠٧ ه ) وأبو عبيدة ( ت : ٢١٠ ه ) وابن قتيبة ( ت :
٢٧٦ ه ) إنما كتبوا العين ، الكتاب ، معاني القرآن ، مجاز القرآن ، غريب القرآن ،
فلأن رائدهم الحثيث إلى هذا التوجه هو العناية بلغة القرآن ، فكان مددهم بمعين
المفردات والصيغ والتراكيب في اللغة والحجة والنحو والصرف والقراءات ، ألم يكن
مضمارهم في الإبانة عن إستعمالات العرب ، وطرق بيانهم ، فابتنى الأصل اللغوي عندهم
بكثير من أبعاده على الغريب والشكل والأوابد والشوارد في الألفاظ والكلمات
والمشتقات مما كان أصلاً للبناء اللغوي والنحوي والصرفي ، فكان القرآن عندهم مظنة
إستنباط القواعد لاستلهام الحجة إثر الحجة في ميدان المعرفة اللغوية ، وجلاء معاني
مفردات العربية ، وكانت إستعمالات القرآن أساس الدربة في البحث عند تتبع غريب
العربية ، وإستقصاء معجم ألفاظها اللغوية.
قال الراغب ( ت : ٥٠٢ ه ) : « فألفاظ
القرآن هي لب كلام العرب وزبدته ، وواسطته وكرائمه ، وعليها إعتماد الفقهاء في
أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم » .
وكان إستئناس أعلام العرب بمفردات
القرآن دليلاً حافزاً لأعلام الأوروبيين في فهرسة ألفاظ القرآن بإطارها العلمي ،
المنظّم ، فحينما تأصلت الفكرة عند المستشرق الألماني الأستاذ جوستاف فلوجل ( ١٨٠٢
م ـ ١٨٧٠ م ) ألف أول معجم مفهرس للقرآن في اللغة العربية عني بألفاظ القرآن
ومفرداته ، وأسماه : « نجوم الفرقان في أطراف القرآن » وطبع لأول مرة عام
__________________