أن أبا عمرو إسحاق
بن مرار الشيباني الكوفي ( ت : ٢٠٦ ه ) وهو تلميذ المفضل الضبي الكوفي ( ت : ١٧٠
ه ) كان راوية للشعر ، ولكنه كان متحرجاً من كتابته ، فأخذ عهداً على نفسه ، إذ
كتب شعراً لقبيلة من العرب كتب بإزائه مصحفاً يضعه في المسجد ، فعدّ ما كتب من
مصاحف فوجد نيفاً وثمانين مصحفاً بخط يده ، لأنه كتب أشعار نيف وثمانين قبيلة من
قبائل العرب .
وفي هذا دلالة على مدى العناية بالقرآن
، حتى كأن الجهد الذي يبذل في غيره ضياع ، فلا بد والحال هذه من تقديم جهدنا في
القرآن ، إن لم يكن تأليف أو مدارسة ، فهو استنساخ على الأقل كما فعل الشيباني ،
وأضرابه كثير.
وهذا الملحظ هو الذي إمتد به فضل الكوفة
، وريادتها الأولى إلى بغداد ، فأدى إلى تأسيس مدرسة بغداد في اللغة والتفسير
والبيان العربي. إذ كان رئيس هذه المدرسة ومؤسسها الحقيقي هو ابن قتيبة ( ت : ٢٧٦
ه ). وقد ولد أبو عبد الله بن مسلم ابن قتيبة في الكوفة عام ( ٢١٣ ه ) وانتقل
إلى بغداد ، وظل يزاول التدريس والتعليم : تفسيراً ونحواً وبلاغة إلى أن توفي في
أول رجب عام ٢٧٦ ه / ٣٠ اكتوبر ٨٨٩ م.
وهناك ألف كتبه القيمة الثمينة السيّارة
مع كل جيل
، وكان كتابه « تأويل مشكل القرآن »
من عجائب المصنفات جودةً وإتقاناً وتبويباً ، وهو ـ وإلى اليوم ـ أصل من أصول
البحث التفسيري واللغوي والبلاغي في سياق متناسق.
وقد نشأ في ظلال ابن قتيبة وجهوده
المبتكرة ـ وامتد من بعده ـ كيان مستقل عظيم للقرّاء في مدرسة بغداد ، حتى نشأ أبو
بكر بن مجاهد التميمي ( ت : ٣٢٤ ه ) فكان إمام القراء ـ دون منازع ـ وكبير
المتنفذين دينياً
__________________