الحياة الدنيا في النشأة والترعرع والكيان والاكتمال في التزاوج والرعاية والحقوق والواجبات في الصلاة والصيام والحج والزكاة والخمس ، والفقه والفرائض والوصايا والجروح والقصاص والديّات ، والحياة الآخرة في الوعد والوعيد ، والبشارة والنذارة كما سيأتي.
وحياة البرزخ بأهوالها المجهولة بحدود ، والمعلومة بحدود أخرى ، حياة فاصلة بين الدنيا والآخرة ، فالدنيا بعد لم تنته ، والآخرة بعد لم تقم ، ولكن الروايات تؤكد : إذا مات المرء قامت قيامته ، والامام علي عليهالسلام يؤكد هذا الملحظ ويقول : الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا. والقرآن العظيم يصرح ، وتصريحه الحق ، ويقول وقوله الفصل : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) ) (١) ، والمتدبر في سياق الآيات القرآنية لدى المقارنة الحيّة يستهدي إلى هذا اللون من الحياة البرزخية.
إن إنفصال الروح عن الجسد لا تعني أكثر من الانتقال بالكائن الحيّ إلى عوالم رتيبة أخرى ، قد تدخل في حساباتنا الداخلية وقد تنحسر عنها ، وقد تدخل في أعماقها ولكنها قد لا تستقرّ ، وقد تستقر عند ذوي الصفاء الروحي استقراراً ثابتاً لا يتزلزل ، وقد ورد أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنان ، أو حفرة من حفر النيران ، والذي تؤكد الاخبار ، أو الذي يبدو من قسم كبير منها ، أن الانسان عندما يوضع في قبره يحاسب حساباً إجمالياً يلزم فيه الانسان طائره في عنقه فيما عمل ، فإذا قامت القيامة ، وكان الحساب الجزائي التفصيلي وضع كتابه بين يديه ، وعليه قوله تعالى : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (١٣) ) (٢) ، وقد ورد أن سؤال القبر حق على الملكين ، وإذا كان الأمر كذلك فهناك نوع من الحياة مجهولة في جملة من حيثياتها قد يعلم بعضها في الآيات كقوله تعالى : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (٣) ، والمعنى يوحي بإثبات البرزخ فتكون إماتة في الدنيا وأخرى في البرزخ ، وإحياء في
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩.
(٢) الإسراء : ١٣.
(٣) المؤمن : ١١.