وما كان بأسرع من موت أبي طالب فيها ، ثم بعده بثلاثة أيام ـ أم المؤمنين خديجة رضياللهعنها ، فنالت قريش من النبي صلىاللهعليهوسلم ما لم تكن تناله في حياة أبي طالب ، بحيث كان صلىاللهعليهوسلم يسمي ذلك العام عام الحزن ، وبعد ثلاثة أشهر من وفاة خديجة : خرج ، ومعه زيد بن حارثة إلى الطائف ، فلم يجيبوه ، بل أغروا به سفاءهم ، فرجع بزيد لمكة ، فلما نزل نخلة قام يصلي من الليل فصرف إليه نفر من جن نصيبين. فاستمعوا القرآن وأسلموا ، وأقام بنخلة أياما ، وقال له زيد : «كيف تدخل مكة وقد أخرجوك؟» فقال : «إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا ، وإن الله ناصر دينه ، ومظهر نبيه».
ثم انتهى إلى حراء حتى دخلها في جوار مطعم بن عدي ، فقصد الركن ، فاستلمه وصلى ركعتين ، وانصرف إلى بيته.
فلما كان ليلة السبت ـ لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان ، وقبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ـ أتاه جبريل وميكائيل عليهماالسلام ، وهو نائم في مكة ، فأسرى به من زمزم إلى بيت المقدس ، بعد أن شق صدره الشريف ، وحشي إيمانا ، ثم عرج به إلى السماء السابعة ، وفرضت الصلوات الخمس ، ورأى ربه عزوجل بعيني رأسه صلىاللهعليهوسلم فلما أصبح ، وأخبر قريش بذلك : كذبوه ، وارتد جماعة ، وسألوه أمارة ، فأعلمهم بها ، وأتاه جبريل في صبيحتها ، فأراه أوقات الصلوات.
كل ذلك وهو يدعو الناس إلى الإسلام نحو عشر سنين ، فيوافي الموسم كل عام ، ويتتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز ، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ، فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه ، حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ، فيردون عليه أقبح رد ، ويؤذونه ويقولون : قومك أعلم بك ، إلى أن أراد الله سبحانه إظهار دينه.
فساقه إلى هذا الحي الملقبين في الإسلام «بالأنصار» فدعاهم إلى الله عزوجل ، وقرأ عليهم القرآن. وأسلم من شاء الله منهم ، ووعدوه بالمجيء ـ هم ومن معهم ـ في العام المقبل ، ثم حضروا إليه عنده ، فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء وغير ذلك ، من غير أن يفرض يومئذ قتال ، وهي العقبة الأولى.
وفي العام المقبل ـ وذلك في ذي الحجة أوسط أيام التشريق ـ قدم عليه سبعون فأزيد منهم ، وكان من حج من قومهم خمسمائة ، فواعدهم منى ، ليلة النفر الأول إذا هدأت الرجال : أن يوافوه في الشعب الأيمن إذا انحدروا من منى أسفل العقبة ، فوافوه ، ومعه عمه العباس ـ قبل إسلامه ـ متوثقا له ، وهي العقبة الثانية.