فلم يرض مالك ، واقتتل القوم. ثم حكّموا المنذر (١) بن حرام جدّ حسان ، فحكم بأن يدفع إلى مالك بن العجلان دية الصريح في حليفه ، ثم يعود الأمر فيما بعد إلى ما كانوا عليه من أنّ دية الحليف نصف دية الصريح ، فرضي القوم كلهم.
و (بجير) يريد به أبجر ، وصغّره تصغير الترخيم ، و (الحقّ) منصوب ب (قفوا) كما تقول : زيدا فاضربه. وتؤتون فيه الوفاء : تعطون ما يجب لكم من الدية ، معترفا فيه : في أبجر ، يريد في قتل أبجر ، فلا تكفوا : أي لا تأثموا بطلب ما ليس لكم ، والوكف : فعل ما يأثم الإنسان فيه ، والوكف أيضا : العيب.
ـ قال سيبويه (١ / ٣٤٣) في الترخيم ، قال جرير :
(ألا أضحت حبالكم رماما |
|
وأضحت منك شاسعة أماما) (٢) |
الشاهد (٣) فيه أنه رخم أمامة في غير النداء على مذهب من قال : يا حار
__________________
(١) شاعر جاهلي من ذوي الرأي والسيادة ، وهو جد الشاعر المشهور حسان بن ثابت الأنصاريّ ، وجاء في أقوال الرواة أن آل حسان أعرق الناس في الشعر فإنهم يعدون ستة في نسق كلهم شاعر. ترجمته في : جمهرة الأنساب ٣٤٧ ومعجم الشعراء ٣٣٦
(٢) ديوان جرير ص ٥٠٢ والبيت مطلع قصيدة قالها يمدح هشاما. والرواية فيه تتفق مع ما يراه المبرد. وهي :
أصبح حبل وصلكم رماما |
|
وما عهد كعهدك يا أماما |
(٣) أي أن الترخيم هنا على لغة من ينتظر والشاهد فيه أنه رخم في غير النداء ضرورة ، وجاء بالمرخم على حاله من الفتح قبل الترخيم ضرورة أيضا وهو في موضع رفع لأنه اسم (أضحت). وهذا ما دعا المبرد إلى رد هذه الرواية إلى الأخرى. ويدفع الأعلم عن سيبويه إذ يشير إلى أن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير أنشده هكذا ، وأن سيبويه أوثق من أن يتهم فيما رواه.
وعندي أن رواية سيبويه ـ على ما فيها من ضرورات ـ أليق بالمعنى ـ وإن رأى العينيّ غير ذلك ـ فالشاعر قد غلب على إحساسه ما يحيط به من وحشة وكآبة .. فها أنتم أولاء وهت حبال وصلكم ، وهذه أمامة وقد أمعنت في نواها وابتعادها.