فإن قال لنا قائل : إنما احتجتم إلى إضمار فعل في المصدر المخالف لما قبله ، لأنه ليس من لفظ الفعل المتقدم فينتصب به ، وإذا كان قبل الفعل نقل هذا المصدر مصدره ، لم يجز أن تضمر فعلا.
قيل له : إذا جاز أن تأتي بمصدر يخالف الفعل الذي قبله في اللفظ ، ويقاربه في المعنى ، وتنصبه بإضمار فعل يدل عليه الفعل المتقدم ، وساغ هذا لأجل موافقة الفعل للمصدر من طريق المعنى ؛ جاز أن تضمر فعلا للمصدر الموافق للفعل الذي قبله لأنه يدل على هذا المصدر من طريق اللفظ ، ومن طريق المعنى ، فما كان دلالته من وجهين أولى.
فإن قال : لسنا ننكر أن يكون الفعل الموافق للمصدر يدل عليه من طريق اللفظ ومن طريق المعنى ، ولكنا نقول : إنه لا يحتاج إلى إضمار فعل معه ، لأنه يجوز أن يعمل في المصدر. وفي المصدر المخالف نحن محتاجون إلى إضمار فعل ينتصب المصدر عنه ، لأن الفعل الذي قبله ليس منه.
قيل له : نحن لم نقل إنه واجب أن يضمر للمصدر الموافق فعلا ، وإنما قلنا هو جائز : ينتصب بالأول ، وأن يضمر له فعل ، كما جاز أن يضمر للمخالف ، ولا يكون أسوأ حالا من المصدر الذي قبله ما يخالف لفظه.
قال سيبويه (١ / ١٨٠) وذلك قوله : وهو لأبي (١) كبير.
(ما إن يمسّ الأرض إلا جانب |
|
منه وحرف الساق طيّ المحمل) (٢) / |
__________________
(١) هو عامر بن الحليس الهذلي ، شاعر جاهلي صحابي اشتهر بكنيته ، اختار له أبو تمام في حماسته. ترجمته في : كنى الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٢٨٢ والشعر والشعراء ٢ / ٦٧٠ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٢٢٦ ، ٢٣١ والخزانة ٣ / ٤٧٣
(٢) ديوان الهذليين ـ القسم الثاني ٩٣ وفيه (إلا منكب) وروي البيت للشاعر في : المخصص ١٦ / ١١٣ وبلا نسبة في ٨ / ١٣٨