كما يحكى عن ابن ميّادة أنه أنشد لنفسه :
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته |
|
تهلّل واهتزّ اهتزاز المهنّد (١) |
فقيل له : أين يذهب بك هذا للحطيئة؟ فقال : الآن علمت أنى شاعر إذ وافقته على قوله ولم أسمعه (فإذا لم يعلم) أن الثانى أخذ من الأول (قيل : قال فلان كذا وقد سبقه إليه فقال كذا) ليغتنم بذلك فضيلة الصدق ويسلم من دعوى علم الغيب ...
______________________________________________________
ولسانه كما ورد على الأول من غير سبق الشعور بالأول حتى يقصد الأخذ منه (قوله : ميادة) بفتح الميم وتشديد الياء اسم امرأة أمة سوداء وهى أم الشاعر فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث (قوله : أنه أنشد لنفسه) أى : أنه أنشد بيتا ونسبه لنفسه (قوله : مفيد ومتلاف) أى هذا الممدوح يفيد الأموال للناس أى : يعطيها لهم ويتلفها على نفسه (قوله : ذا ما أتيته تهلّل إلخ) التهلل : طلاقة الوجه ، والاهتزاز : التحرك ، والمهند : السيف المصنوع من حديد الهند أى : إذا أتيت هذا الممدوح تهلل أى : تنور وجهه فرحا بسؤالك إياه لما جبل عليه من الكرم واهتز بإرادة العطاء اهتزازا كاهتزاز السيف المهند فى البريق والإشراق (قوله : أين يذهب بك) كلام يقال للمخطئ الضال تنبيها له على الصواب أى : إنك قد ضلت فى ادعائك لنفسك ما هو لغيرك أين تذهب بنفسك أى : أنت ضالّ لا سبيل لك وإلى الخروج ما دمت على ما أنت عليه (قوله : هذا للحطيئة) الحطيئة : اسم لشاعر معلوم سمّى بذلك لقصره ، وقيل : لدمامته (قوله : إذ وافقته على قوله) أى : والحال أنه سلم له أنه شاعر (قوله : قيل) أى : فى حكاية ما وقع من المتأخر بعد المتقدم (قوله : قال فلان كذا) أى : من بيت أو قصيدة (قوله : وقد سبقه إليه) أى : إلى ذلك القول فلان فقال كذا أى : سواء كان مخالفا للثانى باعتبار ما أو لا وإنما قلنا أو قصيدة لجواز توارد الخواطر فى معنى القصيدة مثلا ، بل وفى لفظها ؛ لأن الخالق على لسان الأول هو الخالق على لسان الثانى (قوله : ليغتنم إلخ) علّة لمحذوف أى : فإذا لم يعلم
__________________
(١) شرح المرشدى على عقود الجمان ٢ / ١٨١ وهو لابن ميادة ، وفى الإيضاح ص ٣٥٨.