ولقد حكى من حضر الخطبة يوم الجمعة بمكة ، لما وصل الخطيب الدعاء للملك الكامل ، قال : صاحب مكة وعبيدها ، واليمن وزبيدها ، ومصر وصعيدها ، والشام وصناديدها ، والجزيرة ووليدها ، سلطان القبلتين ، ورب العلامتين ، وخادم الحرمين الشريفين ، أبو المعالى محمد الملك الكامل ناصر الدين ، خليل أمير المؤمنين. انتهى من تاريخ ابن خلكان.
وكان من خبر الملك الكامل فيما يتعلق بملكه لمكة ، أنها لم تزل فى ولايته ، من حين مات ابنه الملك المسعود صاحب اليمن ومكة بها ، فى سنة ست وعشرين إلى سنة تسع وعشرين.
فلما كان فى هذه السنة ، نازعه فيها الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب اليمن ، وكان بعد أن دعا لنفسه بالسلطنة ببلاد اليمن وكان قبل ذلك يظهر أنه نائب للملك الكامل باليمن ؛ لأن الملك المسعود بن الملك الكامل ، كان استناب الملك المنصور هذا ، على بلاد اليمن ، لما توجه منها لقصد دمشق ، حين سمع بموت عمه الملك المعظم. فمات الملك المسعود بمكة. وبقى الملك المنصور باليمن ، يظهر الطاعة للكامل ، إلى أن تمكن من إظهار الدعوة لنفسه ببلاد اليمن ، كما يأتى فى ترجمته.
فعند ذلك بعث إلى مكة فى سنة تسع وعشرين ، أميرا يقال له : ابن عبدان مع الشريف راجح بن قتادة. وبعث معهما خزانة كبيرة ، فنزلوا الأبطح ، وحصروا الأمير الذى بمكة ، من جهة الملك الكامل. وكان يقال له : الطغتكين ، وأرسل الشريف راجح ابن قتادة إلى من مع طغتكين. وذكرهم إحسان نور الدين إليهم ، أيام ولايته على مكة ، نيابة عن الملك المسعود ، فمال إليهم رؤساؤهم.
فلما أحس بذلك طغتكين ، هرب إلى ينبع ، وعرف الكامل الخبر ، فجهز جيشا كثيفا من مصر ، وأمر الشريف أبا سعد ، صاحب ينبع ، والأمير شيحة أمير المدينة ، أن يكونا مع عسكره ، ففعلا.
فلما وصل العسكر إلى مكة ، قابلوا راجح بن عبدان ، فقتل ابن عبدان ، وانكسر أهل مكة ، واستولى عليها طغتكين ، وأظهر حقده فى أهلها.
فلما كانت سنة اثنتين وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين بخزانة كبيرة إلى راجح ، على يد ابن النصيرى ، وأمره باستخدام الجند ، ليمنعوا العسكر المصرى الواصل إلى مكة