بسم الله الرّحمن الرحيم
ذكر من حج من الخلفاء والملوك إلى بيت الله الحرام
الحمد لله ، وبه المستعان ، على كل ما عزّ وهان ، وصلى الله على نبينا محمد خاتم النبين ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، صلاة باقية إلى يوم الدين.
وبعد ، فأسأل الله مبتهلا إليه ، مادّا يدى له ، أن يتبع أيام المقرّ المخدوم (١) بأخواتها الباقيات الصالحات ، والزيادات الغامرات ، ليكون كل دهر يستقبله ، وأمل يستأنفه ، موفيا على المتقدم له ، قاصرا عن المتأخر عنه ؛ ويؤتيه من العمر أطوله وأبعده ، ومن العيش أعذبه وأرغده ، عزيزا منصورا ، محميّا موفورا ، باسطا يده فلا يقبضها إلا على نواصى أعداء وحساد ، ساميّا طرفه فلا يغضه إلا على لذة غمض ورقاد ، مستريحة ركابه فلا يعمل إلا لاستضافة عزّ وملك ، حائزة قداحه فلا يجلها مال حتى ينال أقصى ما تتوجه إليه أمنية جامحة ، وتسمو إليه همة طامحة.
وقد استفاض أن العزم الشريف قد قوى على الحجّ ، والتحلّى بالعجّ والنجّ ، وجرت العادة ، بألطاف العبيد للسادة ؛ فتأملت حال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا فى مثل هذه الحركة ، فأردت التأسى بهم ، ورأيتنى إن أهديت نفسى فهى فى ملك المقرّ المخدوم ، وإن أهديت مالى فهو منه ، وإن أهديت مودّتى وشكرى فهما خالصين له غير مشتركين ، وكرهت أن أخلى هذا العزم من سنته فأكون من المقصرّين ، أو أدّعى فى ملكى ما يفى بحق المقرّ المخدوم فأكون من الكاذبين ؛ قلت :
إن أهد نفسى فهو مالكها |
|
ولها أصون كرائم الذّخر |
أو أهد مالا فهو واهبه |
|
وأنا الحقيق عليه بالشّكر |
أو أهد شكرى فهو مرتهن |
|
بجميل فعلك آخر الدّهر |
والشّمس تستغنى إذا طلعت |
|
أن تستضىء بطلعة البدر |
ولما كان العلم أنفس الذخائر وأعلاها قدرا ، وأعظم المآثر وأبقاها ذكرا ، جمعت برسم الخزانة الشريفة المخدومية ـ عمّرها الله ببقاء مالكها ـ جزءا يحتوى على ذكر
__________________
(١) لم يوضح المقريزى المؤرخ الكبير ـ صاحب هذا النص ـ زمن كتابة هذه الرسالة ، ولذلك لم يتضح لنا من هو المقصود من حكام مصر بكتابة هذه الرسالة ، هدية له.