الوجه من النار ، فإياك أن تصبح وتمسى وفى قلبك غش لأحد من رعيتك ، فإن النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة».
فبكى هارون ، وقال له : عليك دين؟ قال : نعم ، دين لربى لم يحاسبنى عليه ، فالويل لى إن سألنى ، والويل لى إن ناقشنى ، والويل لى إن لم ألهم حجتى ، قال : إنما أعنى دين العباد ، قال : إن ربى ـ عزوجل ـ لم يأمرنى بهذا ، وإنما أمرنى أن أصدق وعده وأطيع أمره ، فقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات : ٥٦ ـ ٥٨] فقال له : هذا ألف دينار خذها فانفقها على عيالك ، وتقوبها على عبادتك ، فقال : سبحان الله ، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئنى بمثل هذا؟ سلّمك الله ووفّقك.
ثم صمت فلم يكلمنا ، فخرجنا من عنده ، فلما صرنا على الباب ، قال هارون : أبا عباس ، إذا دللتنى على رجل ، فدلنى على مثل هذا ، هذا سيّد المسلمين.
فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت : «يا هذا ، قد ترى ما نحن فيه من ضيق ، فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به؟» فقال لها : «مثلى ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه ، فلما كبر نحروه ، فأكلوا لحمه» ، فلما سمع هارون الرشيد هذا الكلام ، قال : «تدخل فعسى أن يقبل المال» ، فلما علم الفضيل خرج فجلس فى السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه ، فجعل يكلمه فلا يجيبه ، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت : «يا هذا ، قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف ، رحمك الله» ، فانصرفنا.
أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثنى إسماعيل بن عبد الله أبو النضر ، أخبرنا يحيى بن يوسف الزمّى ، عن الفضيل بن عياض ـ رحمهالله ـ قال : «لما دخل علىّ هارون أمير المؤمنين ، قال : أيكم هو؟ فأشاروا إلى أمير المؤمنين ، فقال : أنت هو يا حسن الوجه لقد كلّفت أمرا عظيما ، إنى ما رأيت أحدا أحسن وجها منك ، فإن قدرت أن لا تسوّد هذا الوجه بلفحة من النار فافعل ، فقال لى : عظنى ، فقلت : ماذا أعظك؟ هذا كتاب الله تعالى بين الدفتين ، انظر ماذا عمل بمن أطاعه ، وماذا عمل بمن عصاه ، وقال : إنى رأيت الناس يعرضون على النار عرضا شديدا ، ويطلبونها طلبا حثيثا ، أما والله لو طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر لنالوها ، فقال : عد إلىّ ، فقال : لو لم تبعث إلىّ لم آتك ، وإن انتفعت بما سمعت منى عدت إليك.
* * *