وخطب عبد الملك الناس بالمدينة النبوية ، فقال ، بعد حمد الله والثناء عليه : «أما بعد ، فإنى لست بالخليفة المستضعف ـ يعنى عثمان بن عفّان ـ ولا بالخليفة المداهن ـ يعنى معاوية ـ ولا بالخليفة المأفون ـ يعنى يزيد بن معاوية ـ ألا وإنى لا أدواى هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم ، وإنكم تكلفونا أعمال المهاجرين الأولين ، ولا تعملون مثل أعمالهم ، وأنكم تأمروننا بتقوى الله وتنسون ذلك من أنفسكم ، والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه». ثم نزل.
* * *
الوليد بن عبد الملك بن مروان (١)
بويع بعد موت أبيه بعهده إليه ، النصف من شوّال سنة ست وثمانين ، وكانت خلافته تسع سنين وسبعة أشهر.
وعمّر مسجد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سنة ثمان ، وكان على يد عمر بن عبد العزيز ـ وهو على المدينة ـ فكتب إليه فى ربيع الأول يأمره بإدخال حجر أزواج النبى فى مسجد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأن يشترى ما فى نواحيه حتى يكون مائتى ذراع فى مثلها ، وأن يقدّم القبلة ، فقوّم عمر الأملاك قيمة عدل ، وأعطى الناس أثمانها ، وهدم بيوت أزواج النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبنى المسجد ، وأتته الفعلة من الشام.
وبعث الوليد بما عزم عليه إلى ملك الروم ، فبعث إليه مائة ألف مثقال ذهبا ، ومائة عامل ، وأربعين حملا من الفسيفساء ، فحمل الوليد ذلك إلى عمر بن عبد العزيز (٢) ، فحضر عمر ومعه الناس فوضعوا أساس المسجد ، وابتدأوا بعمارته ، وكتب أيضا إلى عمر أن يسهل الثنايا ، ويحفر الآبار ، ويصل الفوارة بالمدينة ، فعملها وأجرى ماءها ، ولما حج الوليد ورآها أعجبته ، فأمر لها بقوّام يقومون عليها ، وأمر أهل المسجد أن يسقفوا منها ، وكتب إلى جميع البلاد بإصلاح الطرق وعمل الآبار بطريق الحجاز ، ومنع المجذومين من الخروج على الناس ، وأجرى لهم الأزراق.
__________________
(١) انظر ترجمته فى : (تاريخ الخلفاء ٢١٥ وما بعدها).
(٢) انظر ترجمته فى : (فوات الوفيات ٢ / ١٠٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٧٥ ، المحبر ٢٧ ، حلية الأولياء ٥ / ٢٠٣ ، ٣٥٣ ، ابن الأثير ٥ / ٢٢ ، اليعقوبى ٣ / ٤٤ ، صفة الصفوة ٢ / ٦٣ ، ابن خلدون ٣ / ٧٦ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣١ ، الطبرى ٨ / ١٣٧ ، الأغانى ٢٥٧٩ ، ، المسعودى ٢ / ١٣١ ، ١٣٧ ، النجوم الزاهرة ١ / ٢٤٦ ، الجرح والتعديل ٣ / ١٢٢ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٩ ، شذرات الذهب ١ / ١١٩ الأعلام ٥ / ٥٠).