يصل الغائب ويبلغ اليتيم ، فلما أن وصل العلم بذلك جعل القاضي المتولي يرشد بعض الأيتام وبعضهم يقيم عليه من يشاء بعد أن يأخذ منهم جعلا على ذلك ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم عزل عن النظر أيضا بابن عمه محب الدين أيضا في أوائل سنة ست وسبعين فلازم الاشتغال بالعلم على أجمل حال وأمثل طريقه من الصيانة والديانة والوقار والسكينة ، ولازمه الطلبة.
ثم إن الملك الأشرف قايتبائي لامه الناس على عزله فأرسل إليه فطلبه ، فتوجه إليه صحبة الحاج في موسم سنة سبع وسبعين (١) فقدم إليه القاهرة في أوائل سنة ثمان وسبعين صحبة السيد بركات بن صاحب مكة السيد محمد بن بركات فأكرمهما وعظمهما ، وأعاد إليه وظيفة القضاء والنظر للمسجد الحرام في يوم السبت رابع عشر صفر ، ووصل العلم بذلك إلى مكة في ليلة الأحد سادس ربيع الأول ، فباشر ذلك عنه نيابة ابن عمه القاضي جمال الدين محمد بن نجم الدين (٢) ، ثم عاد إلى مكة صحبة الحاج في موسم سنة ثمان وسبعين ، واستمر إلى تاريخ الحجة سنة أربع وثمانين.
وهو إمام علامة مفنن ، حسن التدريس والتقرير ، قليل التكلف ، قوي الفهم ، متواضعا ، كثير الإنصاف مع صيانة ومعرفة بالأحكام ، ودربة بأحوال القضاة مع ذكاء وفهم جيد ، وفطنة حسنة ومروءة وأفضال جزيل لا سيما لأصحابه ، وعنده تواضع وحشمة ، حسن المحاضرة ، من نوادر الوقت علما ، وفصاحة ، ووقارا ، وبهاء ، وتواضعا ، وأدبا ، وديانة ، متين الفوائد حافظا لجملة من المتون والتواريخ والفضائل والأخبار والنوادر والوقائع والشعر ، ولم يكن في أبناء جنسه مثله ، أمتع الله بحياته وأبقاه في خير وعافية آمين.
أقول : ولم يزل في علوه ورفعته إلى أن حصل له وجع النقرس في رجله
__________________
(١) إتحاف الورى ٤ : ٥٥.
(٢) إتحاف الورى ٤ : ٥٦.