وفي سنة أربع وثمانين أمر السيد الشريف بلغه الله مناه وأهلك أعداءه بعمارة سبيل وصهريج عند بئر شميس للصادر والوارد ففعل ذلك أثابه الله تعالى ، ولما سمع بوصول السلطان للحج توجه هو وولده هيزع وقاضي القضاة برهان الدين وولده وأخوه لملاقاته ، فسمعوا بتوجهه للزيارة من ينبع فاستمروا إلى بدر ، فلما أقبل السلطان لاقوه إلى الصفراء (١) أو قربها وسلموا عليه وعادوا معه إلى بدر فمد لهم سماطا حلوى وسماطا طعام ، ثم فارقوه من بدر وانتظروه بوادي مر إلى أن وصل ، فمد له الشريف سماطا هائلا ولاقاه صبيحة دخوله إلى الزاهر هو وأولاده ، فخلع عليهم كلهم ودخلوا معه ركبانا إلى مدرسته ومدّ له الشريف سماطين صباحا ومساء ، وقدم له الشريف شيئا كثيرا من النقد والخيل والإبل وخرج لرؤيتهما إلى درب اليمن ، ولما سافر توجه هو وأولاده معه إلى الزاهر فردهم منه.
وفي سنة خمس وثمانين توجه هو وأهله إلى الشرق ، وتوجه من هناك إلى المدينة وزار جده صلىاللهعليهوسلم. وتوجه من هناك إلى وادي الصفراء وقطع نخيلا لصبح (٢) ولم يلق منهم أحدا ، وسبب فعله ذلك : أن السلطان أغراه بهم لكونهم قتلوا له مماليك في عوده من الحج إلى مصر (٣). وعاد إلى الشرق ثم إلى مكة ، ووجد قاصده الشريف عنقاء قد وصل لمكة فاجتمع هو والقضاة
__________________
(١) الصفراء : مؤنث الأصفر : واد كبير من أودية الحجاز الغربية يسمى أعلاه من جهة المدينة السدارة إلى المسيجيد ، ويسمى بعد ذلك وادي الصفراء حتى يصب في البحر ، وقد تسمي العامة هذا القسم منه ببدر لشهرة بلدة بدر به ، ويقطعه الطريق المار من مكة إلى المدينة ، وهو علي ٥٤ كيلا جنوب المدينة المنورة. ويمتد وادي الصفراء جنوبا إلى قرب خليص. (معجم معالم الحجاز).
(٢) بنو صبح : من ميمون من بني سالم من بني سالم من بني حرب والنسبة إليهم صبحي ، وديارهم العرج والقاحة وجبل ثامل ويسمى جبل صبح والذي نحن بصددهم هم سكان القاحة التي هي محطة قديمة كانت في الطريق من مكة إلى المدينة مارا بوادي الصفراء ، وبنو صبح يسكنون أعلى القاحة.
(انظر بنو صبح في : معجم قبائل العرب ، ومعجم قبائل المملكة العربية السعودية ، ومعجم قبائل الحجاز. وانظر القاحة في : معجم معالم الحجاز).
(٣) إتحاف الورى ٤ : ٦٥٣ ـ ٦٥٤.