والنزول ، فلم يمر علي زمان أحلى من هذا الزمان ، ولا استقررت بمكان أحلى من هذا المكان ، فذلك الوقت هو عيد الأرواح ، وجنة الأشباح ، وبستان الفؤاد يزهر بالأقاح ، وحور المعارف قد حليت بحلل الألمع والألماح ، فيها لها من صفقة قد علت وقامت بالأرباح ، فليس لذلك الزمان ثان ، ولا لذلك العصر أوان ، بخ بخ على زيارة الحبيب ، والأشراف على رحيم قريب ، حريص عليكم بالمنى ، رءوف بالغنا ، رحيم بالهنا ، لطيف بالسنا ، شفيق يودنا ، هنيئا مريئا لنا ، إذ قال مرحبا وأهلا وسهلا بوفودنا ، وهو أكرم من تكرم من أنبيائنا ورسلنا ، حاشاه أن يحرم تلك الوفود والزوار منا ومن أصحابنا ، بل ما عنده من خزائن الكرم لضيافه تقتنى ، فانه أجل أن يمنع بعض الناس بسوء فعله وما حصل له من العنا ، نعم بسط رداء كرمه لجميع من أتاه فلم يخب أحد مما تمنى ، فحقيق وجدير قد حصل للناس كلهم الغاية القصوى والمنى ، وكيف لا والله يقول حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فليس إلا الفرح والحبور والهنا ، لأن كل أحد من الواقفين لديه تيقن من نفسه أنه حصل له منه صلى الله عليه وسلم ما به القصد والمعتنى ، هذا وإن العبد ذهب للقبر الشريف ، والمحل العظيم المنيف ، يستنشق سباحة طلعته ، صلى الله عليه وسلم وكريم نشأته ، وطيب ذاته الكريمة وجميل هيئته ، لأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره الشريف وانه روضة من رياض الجنة ينظر القاصدين إليه بأن يكمل الكاملين ، ويغسل المتلوثين ، فكل يعامله على حسب نيته ، ويرفعه على حسب همته ، فلما توجهت إليه أقول كما قال شيخنا المذكور.
ما نصه فركعنا بمصلى النبي صلى الله عليه وسلم بإزاء العمود المخلق الكائن فيه روضة الجنة ، وعظمت عليّ من الله المنة ، فتقدمت إلى الحجرة الشريفة ، البهية المنيفة ، ولما واجهت الضريح ، وعدلت عن حديث النفس إلى البيت الصريح ، وأفصحت عما في النفس أي إفصاح ، وألححت أي إلحاح ، أخذت الدموع في الانحدار ، ومناداة البدار البدار ، على ذلك الحال الأول ، من توالي العبرات والعهد الذي ما تحول :