حاصله لما أشرفنا على المدينة المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام غشينا نور عظيم وبهاء قوي لا يخفى عن أهل الذوق السليم والطبع المستقيم إلا من حجب بالحجاب الجسماني والهوى النفساني ونزغات الشيطاني وأقول كما قال شيخنا المذكور ولم نزل يومنا هذا في حل وارتحال ، وانتقال من حال إلى حال ، حتى إذا لاحت حدائق النخيل من المدينة والقباب ، وتلك المآذن في الحرم الشريف على باب ، تذكرنا قول القائل ولقد صدق من قائل (١) :
ولما رأينا رسم من لم يدع لنا |
|
فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبّا |
نزلنا على الأكوار نمشي كرامة |
|
لمن بان عنه إن نلمّ به ركبا |
انتهى.
ولما استقر بنا المنزل ، واجتمعت فيه الأصحاب والأهل ، ذهبنا إلى الحرم الشريف ، والمسجد المنيف ، إلى أن وصلنا فدخلنا من باب السلام ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ، ولقد تاه القلب في الجلال ، والبهاء والكمال ، وانبسط علينا النور في الحال ، وكنا في التنقل في مراتب التجلي أعز انتقال ، فاطمأن الفؤاد وطاب الحمد والثناء على الوصول إلى روضة المتعال ، فبلغ القلب مناه فغاب عن الأكوان بكامل البدور وقمر العز فتنزه عن سواه غير أني خفت بل تيقنت أني لست أهلا لمشاهدة الرسول ، ولا ممن يتأدب بأدب الفحول ، نعم الفضل والمنة على الأصاغر لا يزول ، فتوجهت إلى الموضع الذي صلى فيه الرسول ، وهو القريب من العمود المخلق لأنه ليس بمجهول ، فركعت تحية المسجد ومع ذلك أني في مرض ونحول ، وهو مرض الإسهال وتقوى علي السقم غير أن القلب مني قوي يجول في العالم العلوي يسري وبالعلوم اللدنية يقول ، فلا يكاد يرجع بل يتيه ويتعالى في الارتفاع فهو بعيد عن التنزل
__________________
(١) في هامش الرحلة الناصرية وهو أبو الفضل الجوهري حيث قرب من المدينة المنورة.