اعلم وبطل ظننا الذي أنهم ارتحلوا ليدركوا الوقوف ليلا في عرفة فوصلنا ضحى مسجد نمرة الذي ينبغي الجمع بين الظهرين فيه بالقصر ولو لأهل مكة أي لغير أهله فنزلنا ثم كذلك إلى قرب الزوال فاغتسلنا أيضا الوقوف بين ذلك المسجد ومسجد عرفة فامتلأ المسجد ناسا وكذا مراحه واشتد فيه الحر بحيث لا يقدر أحد أن يضع رجله على الأرض عند الضحى وورد علي رجل ضرير فقيه عظيم يحفظ أكثر الشراح وهو مالكي من جزيرة العرب أعني البحرين فلما سألته عن أكثر أهلها فقال مالكيون نعم مسائل الفقه كلها أوجلها على طرف لسانه ليس يبغي إلا رضاء الله تعالى فجدير على أنه من أهل الفضل والكمال ووعدني بالملاقاة بالمسجد الحرام ثانيا فلما حان وقت الظهر صلينا في زحمة عظيمة يكاد الإنسان أن يموت من شدة الحر وأن العرق علينا يسيل فلا تجد أحدا إلا كاد أن تزهق روحه فصلينا خلف واحد من الأئمة ونوينا القصر وصلى هو بالإتمام من علم منا لما فرغ أعاد جميع أهل بلدنا وهو أننا نوينا القصر ونوى هو الإتمام فلما اختلفنا في النية بطلت صلاتنا ثم أعدناها جماعة جمعا وقصرا ثم حثثنا مطايانا للوقوف بعرفة إلخ.
فلنرجع إلى ما ذكره شيخنا ونصه والله اعلم بما نال وفد الله من الطرب والفرح ، ونسيان العناء والترح ، لما عاينوا تلك المشاهد ، وشاهدوا تلك المراسم والمعاهد ، فلا ترى إلا ضاجا بالذكر ، وصارخا بالدعاء بالسر والجهر ، كما قال قائلهم ولله دره :
وما زال وفد الله يقصد (١) مكة |
|
إلى أن بدا البيت العتيق وركناه |
فضجت وفود الله بالذكر والدعا |
|
وكبّرت الحجاج حين رأيناه |
وقد كادت الأرواح تزهق فرحة |
|
لما نحن من عظم السرور شهدناه |
تصاحفه الأملاك من كان راكبا |
|
وتعتنق الماشي إذا تتلقاه |
__________________
(١) في الرحلة الناصرية يطلب.