سيرها ، أو البرق في خفة أمرها ، ولم يسأم الناس مما لقوا من النصب والتعب لشدة الفرح ، الذي استولى على الترح ، وقد خف بعض ذلك بل أزاله من أصله وإذا عمرت القلوب بالمسرات ، ذهلت الأجسام عما تلاقي من المضرات ، وإذا تنعمت بروح القرب الأرواح ، لم تبال بما حصل من المشقة الأشباح ، وأي مسرة أعظم من الدنو من دار الحبيب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأي لذة أهنأ وأتم من رؤية حضرته صلى الله عليه وسلم والوقوف عند روضته التي هي غاية المنى والسؤل ، فلعمري لقد انتعشت الأجسام بعد ما ذبلت ، وطلعت شمس الأفراح بعد ما افلت ، وانبسطت أنوارها من القلوب إلى الوجوه فأشرقت ، وسرى أجلالها وأعظامها من الأفئدة إلى الرؤوس فأطرقت ، وظهر أثر النشاط والمراح في الركائب فأسرعت ، وخبئت من دون حاد ولا سائق وأوضعت ، وكأن ما ينالها من سموم النصب ولهيب التعب نسيم السحر ، وكأن عرفها السائل مع الأعناق بليل المطر ، لا تلوي إلى سمرة خضراء ، ولا تألو ما أسرعت في موماة غبراء.
قال أبو سالم وعند ما شاهدت من صنيعها الغريب ما شهدت ترنمت ، فوق الأكوار وأنشدت :
خليلي ما للعيس في سيرها تعدو |
|
ومن قبل اعيت من يسوق ومن يحدو |
أظن لها علما يقينا بأنها |
|
لقبر رسول الله قد أصبحت تغدو |
لذلك لم تجزع لحر أصابها |
|
كما جزعت بالأمس إذ مسها الجهد |
فلا تعجبوا من علمها باقترابها |
|
وليس لها بالدار من قبل ذا عهد |
ففضل رسول الله في الكون ظاهر |
|
اقرت به العجماء والحجر الصلد |
وأنوار أرض حلها قد تلألأت |
|
أحست بها الأبصار والعظم والجلد |
دنت فدنت أعلامها فبدالنا |
|
من الشوق في الاحشاء ما لم يكن يبدو |