الناعمة الملتفة بجانبي ذلك الوادي وقد كساه الخصب من مروط الزهر ألوانا وعمّم رؤوس هضابه أقاحا وأرجوانا.
قال فلم نزل نسايره صاعدين إلى أن قربنا من جبل أكرى فعدلنا يمينه مع بعض تلك الهضاب وآوانا الحر إلى قهوة بأصل الجبل بين صخور عظام حولها ماء صاف يجري على حصباء كالزبرجد عذب بارد سهل التناول للصادر والوارد قال فما رأينا فيما سلكنا من بلاد الحجاز مكانا أشبه ببلادنا منه فلما زالت الشمس وتوضأنا للصلاة أخذنا في صعود الجبل العظيم الذي لا يماثله في عظمه جبل من جبال تهامة وسلكنا في طريق تميل مع الهابطة من أعلاه وغالب الطريق في هذا الجبل قد نقي من الصخور العظام ونضدت الحجارة فيه بناء وثيق مصفح على ممره ويقال أن ذلك من عمل بني العباس لكثرة اعتنائهم ببلد الطائف ونزول ولاة الحجاز منهم به وقد أثرت السيول مع طول العهد في أماكن كثيرة من هذا الجبل فخربت بناءه وكثرت للسالك عناءه.
قال ووجدنا في هذا الجبل أشجار عظيمة من العرعار وغيره من أشجار بلدنا فأنسنا بذلك غاية ورأينا القرود به تصيح وتثب في أعالي تلك الصخور فتعجبنا من ذلك فأخبرنا أنها توجد في ذلك الجبل وما سمعنا قط أنها بأرض الحجاز وإنما يقال أنها تجلب من الشام والروم إلى مصر والحجاز وقد لقينا في صعود هذا الجبل مشقة ونزلنا عن الدواب وارتحلنا أوعاره وأغواره كرها وما كدنا نصل أعلاه حتى تمكن وقت المغرب وصليناه وتلففنا بثيابنا لشدة البرد وتعجبنا من صنع الله تعالى وبديع قدرته فقد قاسينا أول النهار من شدة الحر وسمومه ما كادت العظام منه تذوب وتفطر القلوب وكابدنا من شدة البرد آخره ما ارتعدت المفاصل منه وكلت القوى عنه.
قال ثم وصلنا إلى قهوة هنالك ونزلنا بها بعد العشاء فدخلنا محلا أوقد أصحابنا فيه نيرانا عظيمة فاصطلينا بها عامة ليلنا من شدة البرد وحدنا الله تعالى على ذلك وكان