قال ولم أر أسرع مشيا من حمر الحجاز ولا أوطأ مركبا ولا أقل لغبا من السرعة المفرطة في المشي فلقد كنت أنظر وأنا راكب إلى أطرافي هل يتحرك فيها شيء مع الإسراع في المشي فلا يكاد يتبين حركة شيء منها مع أن مركوبي من أجادوها فلقد أخبرت انه كان حمار عند رجل من أهل مكة يصلي المغرب بجدة فيركب عليه ويصلي الصبح بمكة وهي مسافة القصر تحقيقا وهم يتغالون في ثمن ما هذه صفته منها فيبلغ الحمار مائة دينار ذهبا. وقد رأيت حمارا عند فقيه الحنفية الشيخ الزنجيل رافقنا عليه من المدينة إلى مكة تقتحمه العين فأخبرت أنه اشتراه بقريب من ذلك الثمن.
ومنها بلد الطائف فإن فيها مزارات كثيرة ويمر إليها على طريق الحاج إلى منى ثم إلى مزدلفة ثم إلى بسيط عرفة والطريق من مكة إلى الطائف فيها قهاوي يستريح المارة بالنزول فيها واشتراء المحتاج من طعام وعلف كما ذلك أيضا بطريق جدة ويسلك مع طريق الساقية التي من أصل الجبل إلى عرفات ثم إلى المشاعر ثم إلى مكة ومنها تأتي المياه إلى مكة في هذه الأزمنة بعد اندثار الأخرى التي تأتي من الجعرانة.
وقد ذكر المؤرخون أخبر العينين معا وأن التي من الجعرانة من عمل بني أمية وهذه من عمل بني العباس وهي من صدقات زبيدة بنت جعفر المنصور إلا أنها ما وصلت إلى مكة إلا في دولة بني عثمان ملوك العصر من الترك.
قال أبو سالم وقد شاهدنا في بنيان هذه الساقية ما يدل على فخامة ملكهم وقوة اعتنائهم بأمر الحرمين فكلما مررنا غلوة أو غلوتين وجدنا عينا منها مفتوحة عليها بناء وثيق ووجدنا الفعلة في وقتنا جادين في إصلاح ما وهي من بنائها وكسر ما تهور من أرجائها وهي صاعدة مع وادي نعمان الأراك بفتح النون الذي أكثرت شعراء العرب فمن بعهدهم من ذكره وهو واد عظيم افيح منحدر من جبال نجد به أدواح يانعة يصافحها نسيم نجد فتهتز أغصانها طربا وتميل إلى أن تلثم أفواه الأزهار الغضة