الظهر بمنى كما هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل إنما صلى الظهر بمكة وكان نزولنا في منى بسفح الجبل وراء المسجد الكبير قرب مسجد محوط أعني غارا يشبه المسجد الصغير والناس يزورونه ويصلون فيه وقد زرته والله اعلم انه الغار الذي نزل فيه والمرسلات وخبره مذكور في الصحاح (١) واسم الجبل تبير انظر رحلة شيخنا سيدي أحمد بن ناصر وإنما نزلنا هناك لقرب المسجد والاستخلاء والتستر وإمكان المشي إلى الجمرات لقلة الخلق فيه ولقد جمع الله فيه أصناف الخلاق ما لا يعد ولا يحصى وكذا ما ذبح في منى من الهدايا فلا تعلم (٢) الغني والفقير وهي ضيافة عظيمة لا يقدر على القيام بها إلا خالق هؤلاء الخلق لقد كثر اللحم وانتشر حتى استغنى الخاص والعام فضلا عن الفقراء ومنى زمان الحاج آية عظيمة تدل على وحدانية الله وعظيم كبريائه وكذا مكة إنها متسع الحاج بلغ ما بلغ وكذا مسجدها فانه يسعهم للصلاة وكل ذلك من الخوارق المستمرة إلى قيام الساعة فالسعيد يحصل له اليقين التام والمعرفة الكاملة من اعتبار تلك الجموع ومن كفايتها ماء وطعاما وحطبا وعلفا وسعة (٣) وفواكه وبز (٤) التجارة فكيف يتوهم عاقل ثبوت الكمال لغيره تعالى وأنّى يصح لمتكبر أن يقول أنا أو لذي جاه أن يقول قدرت أو لغني يقول ما ملكت أو ذي سلطان يقول عندي عساكر فلم يبق إلا التوكل على الله والاعتماد عليه فإن العاقل تضمحل نفسه عند رؤية ذلك هيبة وإجلالا وعظمة وحينئذ يرى سطوة البارئ عز وجل (٥) فينطق المعتبر قهرا وغلبة بقوله سبحان الملك الخلاق إلا له الخلق والأمر له الملك وله الحمد هذه الضيافة الحسية ما أشد وسعها إذ الغني ذلك اليوم إن سخا صار من ملوك الجنة
__________________
(١) كذا في جميع النسخ ولعله صحيح البخاري كما في السطر الأخير من ص ٣٩٨.
(٢) في نسخة ما عم.
(٣) في جميع النسخ سيعة.
(٤) في نسخة بزر.
(٥) كذا في نسخة وفي غيرها بياض.