وخدا بياضه مشرب بحمرة وسيع الوجه يتلألأ نورا قد شاب فلم تبق فيه شعرة سوداء والله أعلم ولو حواجبه لا يسأم الناظر فيه فعلمت أن الله نور بصيرته وطهر سريرته وأعلى همته فوجدت قلبي حين رأيته بل أخذ مجامع قلبي وان الله أسعدني برؤيته فلما قضيت مآربي منه رجعت إلى موضعي واشتغلت بالدعاء إلى أن تحقق الغروب لأخذ جزء من الليل لأنه ركن يبطل الحج بتركه بخلاف الوقوف نهارا فانه واجب يجبر بالدم فنفر جميعنا بعد المغرب وتحقق الأخذ من الليل والإمام قد نفر قبلنا غير أنه لا يخرج من عرفة إلا بعد تحقق الليل.
نعم قد وجدنا قلوبنا في ذلك المحل وأننا شاهدنا فيه أمرا عظيما لا يمكن التعبير عنه إذ يعلم الإنسان من حاله آثار الوجود والقرب من الحبيب فعممنا بفضل الله تعالى بدعائنا القريب والبعيد والخالص والعام لأن الوقت واسع فمنّ الله تعالى بفضله وكرمه وجوده أن جعلنا من أهل ذلك الموقف فنفرنا راكبين وماشين بين المغرب والعشاء متفرقين لا يعرف أحد صاحبه إلى أن وصلنا بعد العشاء مزدلفة فحط الجميع رحالهم إذ السنة هو ذاك فجمع الله بين المعارف والأقارب وصلينا المغرب والعشاء إذ السنة التأخير فبتنا هنالك في نعمة شاملة ، وزحمة كاملة ، ورفعة عظيمة ، فحمدنا الله على ذلك ، وشكرناه على ما هنالك ، فلله الكمال والتمام فلما أصبح الله بخير الصباح ظعنا مغسلين كما هو الأثر والسنة وصلينا الصبح والتقطنا الجمار الجميع من الحصا ثم كذلك إلى قرب الأسفار وصلنا المشعر الحرام على أكمل حال وأتمه فوقفنا به وقفة عبد خاضع ، وذليل خاشع ، انصدع القل بالشوق إليه ، والعشق لديه ، فكل من له الفقه التاما نوى بوقوفه منا الوجوب إذ بعض المذاهب يقول بوجوبه والورع ينوي به الخروج من الخلاف حسبما ذكروا ذلك في قراءة البسملة في الفرض ناويا الخروج من الخلاف.