صفاقس فنزلناها بعد الزوال والله اعلم.
وفيها قبر اللخمي المعلوم الذي ذكره الشيخ خليل في الخطبة وهو الذي تنسب إليه مادة الاختيار وشهرته تغني عن ذكر طبقته وهي مدينة قديمة طيبة عليها سور جيد وفيها مسجد عظيم تجتمع فيه القراء والعلماء للتدريس وقد باحثت البعض في علم الكلام لأني وجدته مدرسا فيه فلم يستطع فهم الإشكال فضلا عن الجواب وعلى تقدير فهم الإشكال فلا يقدر على الجواب لضعف ملكته ثم انتقلت إلى مجلس آخر في الفقه غير أن صاحبه منصف فاقر بالعجز والتقصير وقد علمت أن لا أدري علم وهو جنة (بضم الجيم) العالم أي حصن ووقاية له إذا وقع له ريب فلا ينافي العلم.
ثم انتقلت إلى مجلس آخر في النحو غير أنه تأدب معي وهو يقرأ ويسأل ويسمع مني وينقل إلى أن شاع أمري ذلك اليوم في مدينة صفاقس فصار الطلبة يخرجون إلى الخيمة يقصدون الاستفادة في العلم والاختبار على حسب قصد كل ولكل امرئ ما نوى ثم اشترينا بعض الكتب منها فاشتريت حاشية على البيضاوي من بعض أهلها غير أنها ليست للشهاب وإنما هي للقاضي زكرياء وقد أورد علي سؤالا المشترى منه في النحو أعني إعراب مالك يوم الدين على انه اسم فاعل أو صفة مشبهة وغير ذلك من وجوه أعرابه وهي مسألة عميضة غير انه لم يبسط نفسه معنا وإنما قصد التعجيز والعناد وإزالة بعض ما وقع لنا من البحث مع طلبة صفاقس فقلت له ريض نفسك لتسمع العلم فإن كنا عالمين فتستفيد منا وإلا استفدنا منك فبينت له بعض وجوه إعرابه فرآه حقا وإنما مراده استقصاء جميع أنواعه مع كونه غير متمكن من جميعها وإنما رآه في حواشي البيضاوي وقد رأيته بعد ذلك بجميع أنواعه مع تمام البيان فكنت على ذروة من علمه وشرافة بيانه.
هذا وإن في تلك المدينة مزارات كثيرة وزرناها على سبيل الجملة والتفصيل وزرنا