من هذه الرحلة في مقامه اغتناما لبركته فكنت أملي على بعض فضلاء جربة وعلمائها وهو يكتب وما قطعنا عن ذلك إلا زيارة أهل بلدنا أعني زواوة الذين قدموا عسكرا في محلة الأعراض وقد نزلت هناك أمدهم الله بالتوفيق وأعانهم على سلوك الهداية بالتحقيق.
ثم إن بعض الناس ممن استوطن قابس من بني عباس وكان فاضلا كريما معتقدا محبا لنا تكرم علينا بأنواع من النعم فأتى بها إلى الخيمة مع أولاده يطلب لهم العلم والقرآن أيدهم الله به ومن علينا وعليه وعليهم بالفضل والامتنان آمين وكذا تكرم علينا غيره جزاهم الله خيرا وقرية قابس فيها مياه كثيرة وبساتين من نخل ورمان وعنب وتين وفواكه جمة فأنها بلدة عظيمة وعمارة متسعة وفيها أسواق كثيرة ودكاكين عظيمة كثيرة المساجد والمزارع كثيرة الحناء بحيث لا تساويها في ذلك بلدة وهي مشهورة بها حاصله أنها جمعت فأوعت أفاض الله علينا من بركات أهلها وجعلنا من أهل السنة بمنه وكرمه فانفصلنا عن قابس ومعنا الشيخ المسن في الإسلام الفاضل من الأنام الشيخ الحمروني وابن عمه يريدان توديعنا وتشييعنا إلى أن خرجنا وتباعدنا إلى قرب إشرافنا على روضة الشيخ سيدي مهمل فرجعا وأن لقلبهما ألتفاتات إلينا وحزنهما علينا كان الله لنا ولهما في الدين والدنيا آمين.
ثم مررنا كذلك إلى أن نزلنا بالمبيت قرب الشيخ المذكور فظعنا منه ومررنا عليه عند الضى فصلى من صلاها وتغدى من تغدى فزار الجميع منا الشيخ المذكور وانفصلنا عنه ثم ذهبنا كذلك إلى أن قربنا القرية التي على شاطئ البحر فبتنا ومررنا عليها عند الضحى وهي قرية صغيرة وليس بها ماء إلا ماء المطر فلا يشربون ولا يسقون ولا يستسقون إلا منه فتعجبنا منها وفيها ماجن عظيم يجتمع فيه ماء المطر قل نظيره فالله يرحمهم بمطره ولا يقطع مدده عنهم آمين فمررنا عليها ذاهبين إلى مدينة