صلحائهم أولاد مريم فإنهم أفضل الناس وأجودهم وأكرمهم وأعملهم وأهداهم ولهم همة عالية ورتبة زاكية فكأنهم لم يسكنوا البادية ولا يأكلون المتشابه ولا يأخذونه فضلا عن الحرام على غاية السنة والقيام بها فما رأيت أحدا أحفظ بها منهم ولا لصون دين الله أرفع منهم فإبلهم ومالهم يرعى وحده في الصحاري من غير راع تلد (١) الناقة وحدها نحو الشهر والشهرين وهو في ربوة الصحاري لا يتعدى عليه أحد ومع ذلك أهل هذا الوطن ليس يوجد أظلم منهم ولا أعدى وهم سالمون وقد تكرموا علينا في الحجة الثانية وكذا في الطلعة في هذه الحجة وقد ذهبوا معنا في الرجعة الثانية من بيوتهم قرب الزوارات (٢) إلى أن بلغونا إلى قابس مسيرة ستة أيام أو خمسة ونحن في طعامهم وشرابهم وعلفهم إلى أن وصلنا إلى قابس بل زادوا رحلة معنا بعد قابس إلى روضة الشيخ سيدي مهمل (٣) وأما في هذه فوجدناهم بعداء عن بيوتهم متحيرين اشغلهم أمر الظلمة إذ تعدى عليهم بعض من أولع بالتغلب والتفرعن عن هؤلاء المتمردين المذكورين وسبب ذلك إنشاء العداوة والفتنة بين النوائل وورغمة فإن ورغمة من منتهى عمل تونس الشرقية والنوائل من منتهى عمل طرابلس الغربية فلما التقى الجمعان نشأ بينهم الحرب والفتنة والأخذ والموت فأنجلى النوائل من بلادهم أجلوهم من جهة المغرب وورغة ومن نحا سبيلهم من حليفهم ومن جهة المشرق العجيلات والزوارات (٤) وغير ذلك ممن يحالفهم فكان المرابطون أعني أولاد مريم والحمارنة مع ورغمة فوقع لهم بعض التعدي بسبب مجاورتهم ومحبتهم إياهم.
وأما الحمارنة فمن أجود العرب وأكرمهم نسبا لديهم وشرفا عندهم قد جملهم الله
__________________
(١) في نسخة تترك.
(٢) في نسخة الدويرات.
(٣) في نسخة مهلهل وفي نسخة أمهذب.
(٤) في نسخة الدويرات.