مشقة ولا تكليف ، وكذا الربيع والشتاء بلا تكييف ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان من الله عليهم بالفضل والرحمة بلا سبب ولا جد ولا كد ولا سيف ، وكذا كان أبوه معي في الحجة الأولى ، أغنى الله أولاده في الآخرة والأولى ، فهم جنة للغرباء ، رحمة للأقرباء ، وجنة (بضم الجيم أي وقاية) لأهل الخوف والرعب وقانا الله وإياهم من أوصاف أهل سبأ ، فإذا بتنا في داره جمع الخاصة من العلماء والفضلاء والأدباء والأساتيذ القراء ، يكرم نزولهم ، ويتفضل بالإحسان لديهم قاصدا حصول البركة منا لهم ، وإزالة الوحشة عنا بهم ، وحصول المدد لنا بسبب معرفتهم ، وقوة انفعالنا بكيفية اجتماعهم ، فإنهم كنوز تستعد لضرورية الأحوال ، وتمتد عند الاضطرار بالنوال ، فربما زال عنا النوم في تلك الليلة رأسا بإلقاء الفوائد بالحكم النبوية ، والفوائد النقلية ، والإفهام الوهبية ، والعلوم اللدنية ، والأشعار الأدبية ، والحكايات السنية ، والقصص الماضية ، فيزهر المجلس بالأنوار ، وكيف لا وهي روضة من المقربين الكمل والأخيار ، تدور به كؤس العاشقين ، ونفائس أهل المحبة من المتقين ، وحلل المعاني والأذواق من ثياب العارفين ، ولو تراها تقول هي جنة عدن يغشاها روح وريحان ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لا سمر إلا بالعلم والمسامرة التحدث بعد العشاء بالعلم والفهوم ، والاعتناء بالعبودية بالذكر والقيام والتهجد لله الحي القيوم ، فدام إحسانه معنا ، وارتقى به أحوالنا ، كان الله لنا وله بالإسعاد ، ومن علينا وعليه بالإمداد ، بفضل الله الوهاب الجواد.
وقد تزين مجلسنا بوجود الفاضل الكامل ، والعبقري الهمام الكامل ، نبراس وطنه ، وفريد عصره ، وحيد في وقته ، وروع في حاله ، زاهد في ماله ، رقيب لأجله ، فإذا تكلم أغرب ، وبين وأعرب ، لا نظير له في زمانه ، متمكنا في المعالي في أوانه ، طريقة الصفاء ، وعهوده بالوفاء ، فلا ينعكس أبدا ، ولا ينتكس سرمدا ، علمه بالميزان ، ومجلسه بالأمان ، فلا يلمز ولا يغمز بالهوان ، يشم من الحقيقة ، ويرتوي بالشريعة ، فلا