ذعرا (١) كأنهم لم يروا العمارة دهرا ، بل المفاوز سهلا ووعرا ، والدنيا يبابا وقفرا ، يخيل لهم أن المباني والنخيل شيء ما عرفوه ، وجالت الأفكار والأبصار في أرجائها كأنها أمر ما ألفوه ، وكأنهم نشروا ، ومن المقابر حشروا ، وما أسرع انقضاء سفر تنقصته الليالي والأيام ، فكيف بعمر مرت به الشهور والأعوام ، فنسأل الله حسن الختام ، بالموت على الإيمان والإسلام ، والعفو والعافية على الدوام ، ولما زرنا أبا شعيفة قصدنا نحو الإمام زروق.
هذا وتعداد المعاطن تبعنا فيها شيخنا المذكور أقول لما خرجنا من السبخة وخضناها وخرجنا من العوينات وتركناها وراءنا وقد انقضى علينا الزاد من أجل أننا آثرنا عرب برقة بالإطعام إيثارا قويا لكن من يعرف الله منا اعتمد على الله وتوكل عليه وقد علمت أن من توكل على الله فهو حسبه أن اله هو الرزاق ذو القوة المتين.
تتبع المشائخ وجدنا الفاضل الكامل العالم العلامة الفقيه الفهامة محبنا وغاية ودنا أخانا في الله وقد لقناه شيئا من أوراد أشياخنا رضي الله عنهم ونفعنا بهم وأفاض علينا من بركاتهم بمنه وكرمه سيدي محمد بن عامر مع الأخر في الله والمحب من أجله الحاج إبراهيم الشريف من شرفاء مسراتة ينتظروننا نحو اليومين لأنهم خرجوا بحسب عد المنازل من مدينة ابن غازي ومراحلنا فلم يعد ذلك العدد فينا لأن مشينا أقل من ذلك وضعف الإبل وهزالها وبعض الإقامة على المعاطن استراحة ونشاطا للإبل ومعهم جماعة من المحبين من مسراتة من الشرفاء وغيرهم بالطعام واللحم أعني والخبز ونوعا آخر يسمى عندنا بالفطير وعند بعض الناس يسمى بالسمن والتمر الجديد بان حملوا والله اعلم على الإبل فلما لقيناهم فرحنا بهم اشد الفرح من أجل المودة في الله والحب من أجله وجدونا على الجوع وغايته فأتوا إلينا بالخبز واللحم عند وقت الغداء
__________________
(١) في جميع النسخ ومخفين المساوي والتعب.