وقد استقينا من اليهودية فلم يصلح ولو للدواب فلم تشربه وإنما تتجرعه فلا تكاد تسيغه وهذه اليهودية كانت مدينة ملكتها يهودية وكانت قرى كثيرة متقاربة فيها أثر بناء خال متراكم يدل على أنها كانت عمارة كثيرة واشتهر على ألسنة الحجاج أنها مدينة كانت ملكتها يهودية في عسكرها كذا كذا من الخيل وفي الرسالة القشيرية عن بعض الفقراء انه قال دخلت مدينة يهودية بالمغرب إلى آخر الحكاية.
ذكر أبو سالم أن تلك المدينة هي هذه إذ لا نعلم مدينة بأرض المغرب تسمى اليهودية إلا هذه والله اعلم بحقيقة ذلك إلى أن مررنا على معطن سماه شيخنا سيدي ابن ناصر وهذه المفازة ما أصعبها من مفازة فيها الحر الكثير فإن وجد فيها النسيم فنعمة من الله إلى أن وصلنا إلى معطن الأحمر فلم ننزل به غير أن من عطش سقى منه قدر حاجته وماؤه عذب طيب تتنعم فيه الأركاب ثم سرنا كذلك إلى أن وصلنا إلى النعيم فما أحسن ماءه وأشده عذوبة وهو بارد وقل نظيره في المياه وزال العطش والهم والغم عن الناس وعن دوابهم لما مر أن المفازة التي قبله أعني الصراط صعب سلوكه في برقة فلا تجد أحدا إلا يشتكي منها فمن لم يستعد لها من معطن المنعل هلك والآبار بينها وبين النعيم كثيرة الوجود قليلة النفع مضرة بالناس من ملوحة مائها ومرارته وذلك يعلم بالذوق فماء النعيم عذب فرات زلال إلا انه لم ينفعل للهواء مع برودته فظعنا منه إلى أن وصلنا معطن الزعفران بينه وبين النعيم مرحلتان وبينهما معاطن على شاطئ البحر عذبة وأرض الزعفران ربوة طيبة خصبة فقل نظيرها في برقة منيقة زاهرة كثيرة الأنوار في الربيع يستسحنها الناظر فمن دخلها تأنس بها تصلح للاستيطان كنت أتمناها للسكنى فلا تعلم نفس ما في هذه الأرض من المنافع وهي رعي لمسراتة ينزلونها في الربيع فإنها تصلح كثيرا لغنمهم ومواشيهم.
حاصله كثيرا الخصب فمن هذا المعطن تشم رائحة طرابلس بل رائحة الوطن