صحتها وثوابها بالنية كذا قدره الجمهور فإذا علمت هذا علمت أن مقام العارف عوامل رفعه حسن النية وحسن تنميتها.
وقد قال الشيخ السنوسي أن أدنى الأولياء أفعالهم دائرة بين الواجب والمندوب وإنما ذلك بالنية وأما الخاصة فأفعالهم كلها واجبة وذلك ليس إلا بنذرها فمن حصل كيفية القصد وتنميته حصل له الخير الأعظم والمقصد الأسنى وذلك بشيخ عارف أو أخ ناصح أو مفت محقق أو بإلهام رباني ووهب رحماني تفضل الله علينا وعلى ذريتنا وطلبتنا ومن تعلق بنا من الأحباب به بمنه وكرمه.
انعطاف ورجوع إلى ما كنا بصدده فلما بتنا مع الأحباب في ابن غازي بكرنا صبيحة يومنا فوجدنا الركب قد ارتحل فأدركنا آخره وودعنا من يحبنا فيه إلى أن لحقناه فسرنا كذلك إلى أن وصلنا إلى أجدابية وتجنبا سلوكا وهو معطن عظيم ماؤه عذب وأباره متقنة لا تكاد توجد في غير هذا الموضع وأما أجدابية فكانت عمارة وآثارها باقية إلى الآن وفيها آبار متفرقة كثيرة المياه أرضها طيبة أحسن الأرضين فيها خصب وزرعها طيب لا نظير له فيما علمت وأبارها سفح أحجار ماؤها عذب طيب سائغ شرابه فليس كماء الصحاري كأنه ماسء الجبل والعيون وتلك الأحجار التي فيها الآبار متصلبة ليست رخوة فظعنا منها إلى أو وصلنا معطن المنعل باللام والميم ماؤه عذب جيد قل نظيره فلا تجد مثله إلا عزيزا فأقمنا فيه كما أقمنا في غيره إذ كل معطن إلا كانت فيه الإقامة مصلحة للإبل.
نعم هذا المعطن المفازة التي بعده أصعب المفازات فالمراحل بعده خمس لا ماء فيها طيب وإن وجد في سواق أو آبار قليلة فهو زعاق حرف مر يشوي الوجوه بئس الشراب لا يصلح إلا بالإبل.