وهذا الجبل واسع الأطراف كثير الشجر عام الخصب فخصبه لا نظير له فمرعاه قليل الوجود وكذا ماله أعني البقر والغنم فوالله يخاف الإنسان أن ينظر فيه لطول إقامته واتساع عرضه ضخم الجثة.
وقد قالوا هذا الجبل كثير السمن كثير العسل كثير اللحم كثير الزرع والخصب لو أن فيه عافية غير أن عربه يتعدى بعضه على بعض وهم متغلبون فالجبل لمن غلب منهم لا يرقبون في بعضهم إلّا ولا ذمة وهمم في أجلاء بعضهم بعضا إلى الآن وحتى الآن غير أنهم وجدناهم في مجاعة عظيمة ما وجد مثلها وقد أفناهم الجوع وإنما تحيرنا من أمر الشريعة هل وجب علينا إطعامهم وأحياؤهم أم لا فإن كثرتهم رفعت علينا الوجوب فإنهم كالجراد المنتشر فسقطت مخاطبة الشرع باستخلاصهم مما هم فيه سلمنا يجب فإنهم دام بهم ذلك فمن كلف نفسه وقع فيما وقعوا وهلك كما هلكوا.
رجوع إلى ما كنا بصدده وهو خروجنا من هذا الجبل إلى أن وقعنا في البحيرة لاقانا نجع من العرب وارد على عرب آخرين يأكل بعضهم بعضا فلما واجهناهم وإذا بهم أرجفوا وقفوا على خيلهم وأرادوا الانتضال والمقاتلة ظنا منهم أننا غير الحجاج فلما ركضوا من الركب إلى جهتهم اجتمعوا وتحيروا من أمرنا فلما علموا بنا وتيقنوا أمرنا قالوا لا علينا في الحجيج وإنما نريد من تعدى علينا من العرب قبل فاطمأن ما بيننا وسكن بعد ما حمي الوطيس واضطرم أمر الفتنة بيننا وبينهم والحالة أنهم مرتحلون بنسائهم وحريمهم.
نعم وجدنا عندهم الإبل ما أحسنها وقد اشتد سمنها وإبل الركب ضعيفة هزيلة فصاروا يبدلون.
نعم لما علموا اضطرار الحجاج امتنعوا من التبديل وصاروا إلى بيع فارتقى أمر