أن هذا الزمن فيه العافية التامة وإنما فيها المجاعة العظيمة يموت الخلق فيها كثيرا لا سيما عرب برقة فقد حكوا لنا أن بعضهم لم يذق طعاما أربعة أشهر وبعضهم ستة أشهر وإنما يأكلون الحشيش والنبق وغير ذلك.
تنبيه وأعلام قال شيخنا المذكور ما نصه.
تنبيه ودرنة هذه قاعدة الجبل الأخضر مدينة على شاطئ البحر بينها وبين خانية مسيرة يوم في البحر ودرنة مدينة كبيرة فيها كثرة المياه والجنات والفواكه والأعناب وفيها السواني ذات أنواع من الثمار وبها أسواق وفنادق وامر المعاش فيها سهل والعمارة فيها كثيرة أخبرني من أثق به عام عشرة أن بها من أهل مسراتة خاصة ثمانمائة رام ببنادقهم سوى ما فيها من غيرهم ولم تكن قبل بها العمارة وإنما أحدثت في حدود الأربعين والألف بناها الأندلس لما خرجوا من جزيرتهم ونزلوا في ذلك المكان وأعجبهم وآنقهم وفجروا أنهارا وغرسوا أشجارا وحفروا سواقي وبنوا وسكنوا وأسكنوا واستقلوا بأنفسهم ولم يكونوا تحت حكم أحد ثم إنهم طغوا واشتغلوا بالفساد ومدوا أيديهم إلى عمالة طرابلس في زمان عثمان باشا وغاظ ذلك أهل طرابلس ووجهوا لهم عسكرا وتقاتلوا معهم وأخذوهم وقتلوا من قتلوا ونفوا من نفوا ولم يبق منهم إلا أقل القليل واستولى أهل طرابلس على البلدة فهي تحت أيديهم.
قلت هذه درنة لم أرها وإن كانت قريبة غير أن الأركاب لا تدخل إليها لأنها ليست طريق الركب غير أن أسماعنا مملوءة من أخبارها فحصل لنا العلم بها وبأحوالها ضرورة فظعنا منه صبيحة فسرنا كذلك متوجهين إلى مفازة السروال وهي أشد مفازة في طريق الحج إذ سبعة أيام لا ماء فيها فكادت تزهق النفس من شدة ما استقبلها من العطش فإن العطش إذا أصاب الإنسان أسرع موته بخلاف صاحب الجوع فانه يطول.