افتخر ، وإذا ذكر نفسه احتقر ، وإذا تفكر في آيات الله اعتبر ، وإذا هم بمعصية أو شهوة أنزجر ، وإذا ذكر عفو الله استبشر ، وإذا ذكر ذنبه استغفر ، ولا شك أن هذه الأخبار تكون موعظة للمعتبرين ، وتذكرة للموقنين ، وتبصرة للمتفكرين ، فمرتبة العلماء تزيد وتنقص بعلم التاريخ وهذا العلم يوجب للإنسان قوة في المحاسن وضعفا في القبائح وبه تعلو الهمة باتصالها بالمعالي من الأمور وتدنو بسفاسفها (١) وأكثر القرآن من هذا العلم فمن ذمه يخاف عليه الردة لأنه يسري إلى ذم القرآن إذا أكثره أخبار الماضين وأحوال المتقدمين من الجبارين الهالكين وأولياء الله الصالحين فلا تهمل أمرك منه وصحح علمك به غير انك أعتمد على صة الأنقال من الكتب الموضوعة في ذلك كهذا المختصر وكتب السيوطي وابن إسحاق والسيرة الشامية وغير ذلك من التآليف.
نعم ذكرت في هذا التأليف نبذة يستحليها المفتقر الذي لي له علم أصلا ويتقوى بها المستبصر وأني أزيد فيه أخبارا عند وصولي إلى إفريقية إن شاء الله تعالى.
فلنرجع إلى ما كنا بصدده فإن عجائب مصر لا يسعها ديوان وهو أننا ارتحلنا من أحواز بولاق فنزلنا أنبابة ومكثنا فيها أياما بين متردد إلى مصر وراجع إليها في قضاء الأوطار ووسعا للانتظار لمن يقصد البر من الحجاج وودعنا كل من يذهب في البحر وقد ذهب أكثر الحجاج فيه ولم تبق إلا حثالة قليلة فهمّ شيخ الركب أن يذهب في البحر لما سمع أني راكب فيه فاجمعوا على أن لا أذهب فيه ثم تحولت إلى المشي معهم فتركت ما قصدت من الركوب في البحر وآخر من ودعته سيدي أحمد الطيب وجماعة من الفضلاء وأني سأذكر من ذهب معنا من الفضلاء تبركا بهم.
__________________
(١) في نسخة من الأمور والعبد من سفافها.