ولما قضينا حوائجنا من ذلك المحل والحالة أن النيل قد فاض وخفنا الانقطاع بسببه فظعنا لأنه يفيض على أرياف مصر كذا وكذا ميلا فلو تأخرنا لإصابتنا مشقة في القطع إذ لا يكون ذلك إلا من الزوارق أعني المراكب والسفن وأن الشيخ الفاضل الشيخ امنصير النجمي أتى إلينا فارتحلنا لقرب بلده الذي هو الرمل قرب كفر حمام وهو بين المنصورة وكرداسة وهي قرية من أرياف مصر وفيها مسجد جمعة وأما الشيخ امنصير (١) شيخ العرب فسكناه في الخيم قرب المدشر المذكور وله قوة وشوكة عظيمة على تلك الحال وهو السبب والواسطة في استخلاص مال الحجاج فما أخذه منهم فهو مباح قطعا وقد جرى مع الحجاج كثيرا جزاه الله خيرا وله عقل تام فإن تكلم أنصف وإن سكت أنصت وأعرف وإن تكلم فبحكمة فليس بإمّعة فلا يطوي الكلام غير أن ذلك سجية في بعض العرب فما أحلاه لو كان عالما عاملا غير جاهل فما أحسن العلم إن قارئه الحلم وما أقبح الجهل إن قارئه الظلم رضي الله عنه وأرضاه وجعل عاقبته خيرا وجعل البركة في ذريته فمكثنا هناك مدة قريبة تقرب من شهر وهو شهر ربيع الأول.
وقد حصل لي حال عظيم وهو حال المشاهدة إذ تقوى علي الشهود فغيب عني كل ما سواه من أجل رؤيا رأيتها هناك فاضمحلت الأغراض ، وذهبت الأعواض ، وزالت الأمراض ، بجاهه صلى الله عليه وسلم وما بقي في نفسي أعتراض ، وتقوى علي ذلك حتى عزمت على الصحاري والقفار ، ونبذ الرجوع إلى البلد والدار ، وترك الأولاد والعيال في يد العزيز الجبار ، غير أن الله ثبت فؤادي ومكنني من عنده في علم اليقين حتى رسخ قدمي في الوثوق بالله إلى أن رجعت إلى وطني ليتم الوعد الرباني في نفع عباد الله العاجزين عن أنفسهم وعمن اتصل بهم ممن تعلق بهم فلم يخلقني الله
__________________
(١) ما بين قوله امنصير وبين قوله امنصير ساقط في نسخة.