الأثمان وصنوف التجارات وتزاحم الناس على الشراء رجاء بركة ذلك المكان في ذلك الزمان وأكثر التجار يقولون إن من اشترى شيئا من منى وجعله في تجارته وجد بركته ، وظهرت له ثمرته ، ولا يبعد ذلك فانه موسم شريف ، ومحل بركة وتشريف ، يأتيه الناس من كل فج عميق ليشهروا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، وقد عمهم الله فيه من أمر دنياهم وأخراهم بغاية الإنعام ، ولما زالت الشمس توضأنا فخرجنا لرمي الجمار من غير تراخ ولا توان مبتدئين بالأولى التي تلي مسجد الخيف ثم بالوسطى وختمنا بالعقبة فوقفنا أثر الأولين بقدر الإمكان ، مجتهدين في الدعاء لنا ولعامة المسلمين وخاصتهم وسائر الأحبة والإخوان ، وما نسينا أحدا في ذلك المكان.
ولما كانت الليلة الثانية من ليالي منى بالغ أهل مصر وأهل الشام في إيقاد المصابيح وأتخاذ المصانع منها وصور الأشجار والأخبية وإكثار الرمي بالمدافع والبنادق والمحارق المرتفعة في الجو وفي ذلك نزهة للأبصار ، وتسلية للأفكار ، ومجال للاتعاظ والأذكار ، والقبول والإنكار ، فنزل جميع أصناف العباد ، وحشر إليه عمار البلاد ، فهو أجمل الأندية ، ومبانيه أحسن الأبنية ، تشرق في النهار فساطيطه المؤنقة ، وبالليل مصابيحه المشرقة.
قال الإمام أبو سالم وبالجملة فليالي منى غرر في أوجه الزمان ، ومواسم فرح وسرور لأهل الإيمان ، ومناهل رحمة ومغفرة من الله ورضوان ، ومحال بركة وعافية وأمان ، يتجلى فيها الحق لوفده بصفة الجمال ، جزاء على رضاه قبل ذلك بتجلي الجلال ، فهناك يستصغر المرء ما قاسى في طريقه من الشدائد ، في جنب ما حصل له من النعيم والفوائد ، انتهى.
فلما أصبح الناس في اليوم الثالث أخذوا في الرحيل متعجلين ، فمن تعجل في