هذه المضار وكذلك فعلنا في كل ما مضى من الحجات والله يعيدنا إليه الكرات بعد الكرات وقد ذبح بمنى في ذلك اليوم والذي بعده من الغنم ما أكسب الغني والفقير ، وكفى البصير والضرير ، وأغنى الوراد والمستوطن فامتلأت الطرقات وأفنية المنازل باللحم وأما الجلد والساقط والأكارع فلا ترى أحدا يأخذها ضيافة الله الملك الحق الذي لا يقدر أحد على كفاية الخلق سواه فقد ورد من أفاق الأرض أصناف من الخلق لا تحصى أغنياء وفقراء فأكل الكل من ضيافة مالكهم وتزودوا ما قدروا وفضل ما أعجز الطير والوحش والهوام. قال أبو سالم فاقسم لقد مررت بهذا المكان بعد سنة أو قريبا من ذلك في قفولي من الطائف فوجدتا فيه عدة كثيرة من الغنم قد يبست جلودها على لحومهما وعظامها لم تمس إلى أن صارت مثل الخشب من يبسها والمرجو بل المحقق من كرم الملك الوهاب ذي الطول كما عم وفده بالضيافة المحسوسة التي صيرت الفقير كالغني في أيام الضيافة كذلك أو أعظم منه ضيافته المعنوية بالمغفرة وقبول الدعاء وأجزل المثوبة لعباده فوق ما يخطر بالبال ، وما ينال بقياس ومثال ، فما سعدنا به من رب كريم منعم متفضل وهاب ، جواد محسن متطول لا إله إلا هو مالك الملوك ورب الأرباب ، ولا يهلك على الله إلا هالك نسأله سبحانه أن يعمنا بفضله وكرمه ، ويتحفنا برضوانه ، ويعاملنا بإحسانه ، آمين وبتنا بمنى تلك الليلة في نعمة كاملة ، ورحمة من الله شاملة ، وانقضى ذلك النهار وقد عيدنا ، وعلينا مناسك الحج وشيدنا ، وفوق أمانينا أعطينا.
بلغت يا نفسي المنى في منى (١) |
|
وقد أزال الله عنك العنا |
فاستنفدي وسعك في حمده |
|
وشيدي منك بناء الثنا (٢) |
ثم في الغد عمرت الأسواق ، وكثرت الأنفاق ، وأخرجت البضائع ذوات
__________________
(١) في نسختين بمنى.
(٢) في نسخة واسلكي جميل الثناء وفي الرحلة الناصرية في جهده وبقاء بدل بناء.